للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعتبر العواقب، كما قال الله سبحانه: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (١)، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (٢)، وقال سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (٣). فلا بد من رعاية العواقب. ولهذا ذكر ابن القيم - رحمه الله -: أن الإنسان إذا كان أمره بالمعروف في بعض الأحيان قد يفضي إلى وجود ما هو أنكر من المنكر الذي يريد أن ينهي عنه، فإنه لا يجوز له أن ينهي عن المنكر في هذه الحالة إذا كان إنكار المنكر يفضي إلى ما هو أنكر منه وأشد، فإنك في هذه الحالة لا تنكره لئلا يقع ما هو أنكر منه وهذا من باب مراعاة العواقب. فإذا كان إنسان مثلا يشرب الخمر ولكنك إذا نهيته عن ذلك ومنعته عن ذلك ومنعته منه اشتغل بقتل الناس، فحينئذ يكون ترك الإنكار عليه أولى؛ لأن شرب الخمر أسهل من كونه يتعدى على الناس بالقتل.

والمقصود أن الواجب الرعاية للعواقب كما تراعى عوائد الناس وظروفهم وأحوالهم، ومقاصدهم ونياتهم في عقودهم، وتصرفاتهم فيما بينهم، وفي إقامة الحدود، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يراعى في ذلك تحصيل المصالح ودرء المفاسد، وتحصيل المصلحة الراجحة بتفويت المصلحة المرجوحة، وتعطيل المفسدة الكبرى بارتكاب المفسدة الصغرى عند العجز عن تفويتهما جميعا، هذه أمور عظيمة جاءت بها هذه الشريعة الكاملة، ولاشك أن ذلك من محاسنها، ويجب على ولاة الأمور وعلى كل من له تصرف في أمر الناس أن


(١) سورة الحشر الآية ٢
(٢) سورة هود الآية ٤٩
(٣) سورة الأنعام الآية ١٠٨