للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣ - العلم: وهو شرط أساسي لمن تقلد هذا المنصب؛ إذ أنه مبلغ عن الله أحكامه، ولا يبلغ عنه من جهل أحكامه، ولهذا يروي الخطيب البغداي (المتوفى سنة ٤٦٢ هـ) بسنده (١) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «من أفتى بغير علم لعنته الملائكة»، ويروى أيضا (٢) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «من أفتى بفتيا بغير ثبت، فإنما إثمه على من أفتاه (٣)».

٤ - العدالة: في الأقوال والأفعال وذلك بأن يكون مستقيما في أحواله، محافظا على مروءته، صادقا فيها بقوله، موثوقا به، ويفسر لنا الشيخ " أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي " (٤) (المتوفى سنة ٦٩٥ هـ) المتصف بالعدالة، فيقول: " والعدل من استمر على فعل الواجب والمندوب والصدق وترك الحرام والمكروه والكذب، مع حفظ مروءته ومجانبة الريب والتهم. . . " وهذا الشرط قد دل عليه الإجماع؛ حيث إن المفتي يخبر عن الله (تعالى) بحكمه، ولا يكون ذلك إلا لمن اتصف بالعدالة (٥)، ثم إن " علماء المسلمين لم يختلفوا في أن الفاسق غير مقبول الفتوى في أحكام الدين، وإن كان بصيرا بها " كما صرح بذلك الخطيب البغدادي (٦) وأما حين تظهر عليه صفة " العدالة "، لكن باطنه مجهول في ذلك، فلعلمائنا (رحمهم الله) قولان في وصفه بالعدالة أو عدم وصفه بها أظهرهما عدم وصفه بها (٧).

٥ - حسن الطريقة، وسلامة المسلك، ورضا السيرة: فلا بد لمن تقلد هذا المنصب أن يتصف بذلك، فيكون حسن الطريقة، سليم المسلك، مرضي السيرة، حتى يثق الناس بأقواله، ويقبلوا ما يقوله لهم؛ حيث إنهم يتلقون منه أمورا هي أعظم شيء في نفوسهم، وهي أحكام الدين، ومن المعلوم أنهم لا يتلقون ذلك إلا ممن تحروا فيه هذه الأوصاف، وأما من يتحلى بها، فهم يعرضون عنه مهما كانت درجته الكبرى في الناحية العلمية، لذلك نرى الإمام القرافي (المتوفى سنة ٦٨٤ هـ) يؤكد هذا الشرط ويوضحه أتم إيضاح حيث يقول " وينبغي للمفتي أن يكون. . . حسن السيرة. . . ويقصد بجميع ذلك التوسل إلى تنفيذ الحق وهداية الخلق، فتصير هذه الأمور كلها قربات عظيمة، وإليه الإشارة بقوله (تعالى) حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (٨). قال العلماء:


(١) الفقيه والمتفقه، مطابع القصيم، سنة ١٣٨٩ هـ، ٢/ ١٥٥
(٢) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(٣) سنن ابن ماجه المقدمة (٥٣)، سنن الدارمي المقدمة (١٥٩).
(٤) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص ١٣
(٥) المصدر نفسه - والصفحة نفسها
(٦) الفقيه والمتفقه، ٢/ ١٥٧
(٧) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص١٣
(٨) سورة الشعراء الآية ٨٤