للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معناه، ثناء جميل، حتى يقتدي بي الناس. . "

٦ - الورع والعفة عن كل ما يخدش الكرامة، والحرص على استطابة المأكل:

فحري بمن انتصب لهذا الأمر العظيم ألا يقوم به حق القيام إلا حين يكون متصفا بالورع، جاعلا نصوص الوعيد والتهديد لمن خالف أوامر الله بين عينيه، وحري به ألا يقوم به حق القيام إلا حين يكون عفيفا عما في أيدي الناس، وعما يعتبر في عرفهم من صفات الدناءة والضعة، وإلا حين يكون حريصا أشد الحرص على أن يكون مكسبه حلالا، وطرق معاملته مع الناس قائمة في أصولها وفروعها على وفق منهج الله، وفي حدود ما رسمه في شرعه، وأن يكون مأكله حلالا خالصا؛ بأن يكون قد عرف طرق حصوله وأيقن بحلها؛ فهذه صفات لا بد من حصولها في المفتي كي يوفق في أداء رسالته؛ إذ أن من لا يتورع عن الشبهات، ولا يعف عما في أيدي الناس، ولا يرعى العرف في تقويم الأمور وتنزيلها منازلها، من حيث الإقدام عليها، أو الإحجام عنها، ولا يحرص على أن يكون ما يتناوله طيبا وحلالا خالصا، إن من لا يرعى ذلك كله حري به ألا يوفق فيما يفتي به، وألا يصيب حكم الله فيما يسأل عنه، وألا يسمع منه حين يفتي، ولا يستجاب لقوله حين يقول، ولهذا نرى الخطيب البغدادي (١) يؤكد اشتراط هذه المعاني، فيقول في معرض ذكره لما يشترط في المفتي: " وينبغي أن يكون المفتي. . . حريصا على استطابة مأكله، فإن ذلك أول أسباب التوفيق، متورعا عن الشبهات ". ويتابعه القرافي (رحمه الله) (٢) في ذلك فيقول: ". . . وأن يكون (المفتي) قليل الطمع، كثير الورع، فما أفلح مستكثر من الدنيا، ومعظم أهلها وحطامها ".

٧ - رصانة الفكر وجودة الملاحظة، والتأني في الفتوى، والتثبت فيما يفتي به:

فهذه صفات يلزم وجودها فيمن يتصدى للفتيا؛ إذ أن من كان ناقصا في فهمه، أو متصفا بالغفلة، أو معروفا بالعجلة في فتواه والتسرع بالإجابة عما يسأل عنه - دون أن يتثبت من ذلك - إذ أن من كانت أوصافه كذلك، قد فقد أول أسباب التوفيق، وحري بمن فقد أولها ألا يحالفه الحظ في وجدان آخرها، وألا ينال في آخر المطاف غايته التي قصدها (٣).

٨ - طلب المشورة من ذوي الدين والعلم والرأي:

وهذا شرط مأخوذ من عمومات الشريعة في غير موضوع الفتوى، ومما درج عليه السلف الصالح فيها، حيث كانوا يستشيرون حين تعرض لهم المشكلة، أو يسألون عنها، ودليل ما نقوله أن الله (سبحانه وتعالى) أثنى على المؤمنين؛ حيث كان أمرهم شورى بينهم، وأمر نبيه (صلى الله عليه وسلم) بأن يشاورهم في الأمر، وما كان من شأن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، حيث كانت المسألة تنزل عليه، فيستشير فيها من حضر من الصحابة


(١) الفقيه والمتفقه، ٢/ ١٥٨
(٢) الأحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، ص ٢٧٤
(٣) الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه، ٢/ ١٥٨