للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل ربما جمعهم وشاورهم، حتى كان يشاور ابن عباس (رضي الله عنهما) وهو إذ ذاك أحدث القوم سنا.

وينبغي أن يعلم أن هذا الشرط مقيد بما إذا " لم يعارضه مفسدة؛ من إفشاء سر السائل، أو تعريضه للأذى، أو مفسدة لبعض الحاضرين " (١)؛ فإنه إن عارضه ذلك، فلا ينبغي أن يرتكب؛ دفعا لتلك المفاسد.

٩ - رؤيته لنفسه بأنه أهل لهذا المنصب، وشهادة الناس له بالأهلية له:

فهذا شرط يورثه اليقين بصلاحيته للفتيا فيمضي فيها، ويرشحه في نظر العامة لهذا المقام، فيقدمون عليه يتلقون عنه أحكام دينهم، وما لم يعزز الإنسان بهذين الوصفين، فلن يكون صالحا لتبوء هذا المنصب، ولن يكون موثوقا بما يفتي به، ولا مقبولا عند العامة في سماع ما يقوله لهم في أمر دينهم، ولمالك بن أنس (رحمه الله) نصوص تدل لذلك، فقد ذكر القرافي عنه (٢)، أنه قال: " لا ينبغي للعالم أن يفتي حتى يراه الناس أهلا لذلك، ويرى هو نفسه أهلا لذلك، يريد تثبت أهليته عند العلماء، ويكون هو بيقين، مطلعا على ما قاله العلماء في حقه من الأهلية؛ لأنه قد يظهر من الإنسان أمر على ضد ما هو عليه، فإذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس، حصل اليقين في ذلك، وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا " (٣)، كما روى الخطيب البغدادي (٤) بسنده، أن مالك بن أنس يقول: " ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك " وروى (٥) بسنده أيضا إلى خلف بن عمر - صديق كان لمالك - قال: " سمعت مالكا يقول: " ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني: هل تراني موضعا لذلك؟؛ سألت ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك، فقلت له: يا أبا عبد الله: لو نهوك؟ قال: كنت أنتهي؛ لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء، حتى يسأل من هو أعلم منه ".

* * *


(١) ابن القيم إعلام الموقعين ٤/ ٢٥٧
(٢) الفروق، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، ط أولى سنة ١٣٤٤ هـ ٢/ ١١٠
(٣) لأن التحنك هو شعار العلماء، انظرالمصدر نفسه، والصفحة نفسها
(٤) الفقيه والمتفقه، ٢/ ١٥٤
(٥) المصدر نفسه، والصفحة نفسها