المناقشة نوقش هذان الدليلان بأنهما لا يدلان على تحريم التسعير مطلقا؛ لأن امتناع الرسول صلى الله عليه وسلم عن التسعير محمول على حالة خاصة وهي أن التجار في ذلك الوقت كانوا أهل تقوى وصلاح، وكانوا يبيعون بأسعار مناسبة، والغلاء في ذلك الوقت لم يكن يرجع إلى جشع التجار وإنما كان ناتجا عن قلة السلع المعروضة وكثرة الطلب عليها.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن التسعير صراحة فلم يقل: لا يجوز التسعير أو التسعير حرام أو نحوا من ذلك، ولكن كل ما جاء في الحديثين أنه لم يسعر لأنه لم تكن هناك حاجة إليه.
وعلى هذا فليس في الحديثين ما يدل على عدم جواز التسعير في حالة جشع التجار وتجاوزهم الحد المعقول بالبيع بأكثر من قيمة المثل.
وفي الرد على من استدل بهذين الحديثين قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" ومن منع التسعير مطلقا محتجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو المسعر القابض الباسط (١)» الحديث، فقد غلط فإن هذه قضية معينة وليست لفظا عاما، وليس فيها أن أحدا امتنع من بيع يجب عليه أو عمل يجب عليه، أو طلب في ذلك أكثر من عوض المثل. ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه. فإذا كان صاحبه قد بذله كما جرت به العادة ولكن الناس تزايدوا فيه فهنا لا يسعر عليهم. . . "
ورد الإمام ابن القيم - رحمه الله - على من استدل بهذين الحديثين في منع التسعير، بمثل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية.
* * *
(١) سنن الترمذي البيوع (١٣١٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٥١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٨٦)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٥).