فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما.
فقال له: مدان لكل درهم.
فقال له عمر: قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيبا وهم يغترون بسعرك، فإما أن ترفع في السعر وإما أن تدخل زبيبك في بيتك فتبيعه كيف شئت.
فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطبا في داره فقال له: إن الذي قلت لك ليس بعزمة مني ولا قضاء وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع.
ووجه الدلالة من هذه القصة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجع عن التسعير والإلزام به بعد ما رأى أنه أخطأ، واعترف بأنه ما قاله لحاطب بالسوق إنما كان اجتهادا منه. فدل ذلك على أن التسعير غير جائز.
المناقشة
نوقش هذا الدليل بأن هذه القصة رويت عن صحابي، وقول الصحابي لا يستقيم للحجية إلا إذا كان مستندا على نص من كتاب أو سنة أما إذا اعتمد على الرأي المجرد فلا يكون حجة، وإذا افترضنا أنه حجة فقد جاء للخليفة في هذه القصة رأيان:
الأول: الأخذ بالتسعير، والثاني: الرجوع عنه، وهو ما أخذ به أصحاب هذا المذهب واستندوا إليه في القول بعدم جواز التسعير.
ونقول لهم بأن هذه القصة جاءت في قضية خاصة وهي البيع بأقل من سعر السوق، والراجح أنه لا يجوز التسعير في هذه الحالة لما فيه من المصلحة لعامة الناس بالبيع بسعر رخيص.
على أن المحتجين بقضية حاطب لم يأخذوا بما صح عن عمر رضي الله عنه في قضايا كثيرة حيث خالفوه في إجبار بني العم على النفقة على ابن عمهم، وعتق كل ذي رحم محرم إذا ملك، وغير ذلك.
على أن هذا الأثر لا يصح عن عمر من رواية سعيد بن المسيب؛ لأنه لم يسمع من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن فقط.