وإنما الذي روى عن عمر -على فرض صحته - هو بخلاف ما ذهبوا إليه؛ لأن عمر أراد بقوله:" إما تزيد في السعر " أي أن تبيع من المكاييل أكثر مما تبيع بهذا الثمن، حيث جاء من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب.
قال:" وجد عمر حاطب بن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة.
فقال: كيف تبيع يا حاطب؟
قال: مدين.
فقال عمر: تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا وأسواقنا، وتقطعون في رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعا وإلا فلا تبع في أسواقنا، وإلا ف
سيبوا في الأرض ثم أجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم ".
فهذا هو أثر عمر مع حاطب في الزبيب كما يجب أن يظن بعمر.
فإن قالوا: إن في هذا ضررا على أهل السوق.
قلنا: هذا باطل. بل في قولكم أنتم الضرر على أهل البلد كلهم، وعلى المساكين، وعلى هذا المحسن إلى الناس، ولا ضرر في ذلك على أهل السوق؛ لأنهم إن شاءوا أن يرخصوا كما فعل هذا فليفعلوا، وإلا فهم أملك بأموالهم كما هذا أملك بماله.
وخلاصة القول: أنه ليس في قصة عمر بن الخطاب مع حاطب بن أبي بلتعة دليل على منع التسعير.
رابعا: الأدلة العقلية
وقد أراد أصحاب هذا المذهب تأييد ما ذهبوا إليه - من القول بمنع التسعير - بأدلة من العقل والمنطق منها:
١ - قالوا إن الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن.