فإن عموم الناس بحاجة لشراء الطعام واللباس، فلو أعطي أرباب السلع الحرية في البيع بما يشاءون لكان ما يلحق الناس من الضرر أعظم وأفحش.
ثانيا: إن القول بالتسعير عند تجاوز التجار ثمن المثل في البيع يحقق مصلحة الأمة بإرخاء الأسعار للناس وحمايتهم من جشع التجار واستغلالهم.
ثالثا: إن القول بالتسعير فيه سد للذرائع ومن الثابت أن سد الذرائع من الأدلة المعتبرة في الفقه الإسلامي وأصل من أصوله المعتمدة.
وسد الذرائع هو المنع من بعض المباحات لإفضائها مفسدة، ومن المسلم به أن ما يؤدي إلى الحرام يكون حراما، فترك الحرية للناس في البيع والشراء بأي ثمن دون تسعير هو أمر مباح في الأصل، ولكنه قد يؤدي إلى الاستغلال والجشع والتحكم في ضروريات الناس، فيقضي هذا الأصل الشرعي بسد هذا الباب بتقييد التعامل بأسعار محددة.
فإن قيل إن التسعير فيه تقييد لحرية التجار في البيع وهذا ضرر بهم والضرر منهي عنه شرعا.
نقول: إن الضرر الحاصل من منع التسعير أعظم بكثير من الضرر الناتج من إجبار التجار على البيع بسعر، ولا شك أن الضرر الأكبر يدفع بالضرر الأصغر.
وهكذا يتضح من كلام العلماء الذين أجازوا التسعير أنهم لم يجيزوه لذاته بل لأنه إجراء وقائي لصد ظلم الظالمين واحتكار المحتكرين.
* * *
الخلاصة
إن القول بالتسعير وإلزام التجار بالبيع بثمن المثل عند تجاوزهم الأسعار - التي تحقق لهم ربحا معقولا - وظهور بوادر الجشع والاستغلال، لهو الرأي المختار الذي يجب العمل به والمصير إليه، وذلك لقوة أدلته وسلامتها من الرد، ولما فيه من تحقيق مصالح الأمة ودفع الضرر عن الناس.