للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عز وجل وتقديراته التي كلها حكمة ورحمة بخلاف ما إذا كانت من العبد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وليست البلايا والمصائب تأتي من طاعة الله ورسوله، كما يظن بعض الجهال، فإن هذه جزاء أصحابها خير الدنيا والآخرة. ولكن قد تصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم لا بما أطاعوا فيه الله ورسوله، كما لحقهم يوم أحد بسبب ذنوبهم لا بسبب طاعتهم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك ما ابتلوا به من السراء والضراء والزلزال، ليس هو بسبب نفس إيمانهم وطاعتهم، لكن امتحنوا به ليتخلصوا مما فيهم من الشر، وفتنوا به كما يفتن الذهب بالنار ليتميز خبيثه من طيبه، والنفوس فيها شر، والامتحان يمحص المؤمن من ذلك الشر الذي في نفسه (١)؛ لذلك كان من حكمة الابتلاء التمحيص، وهو كما قال الراغب: أصل المحص تخليص الشيء مما فيه عيب، قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (٢)، وقال سبحانه: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (٣).


(١) انظر الحسنة والسيئة لابن تيمية ص ٤٤.
(٢) سورة آل عمران الآية ١٤١
(٣) سورة آل عمران الآية ١٥٤