للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سواء في الدنيا الآخرة، كما قال تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (١)، وكما قال - صلى الله عليه وسلم -: - صلى الله عليه وسلم -: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه (٣)». وعلى هذا فهل يمكن تمييز الخبيث من الطيب بدون ابتلاء؟ إنه لا بد للتمييز من ابتلاء، فما يصيب المؤمن في هذه الدار من إدالة عدوه عليه، وأذاه له في بعض الأحيان أمر لازم لا بد منه، وهو كالحر الشديد والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذه الدار، حتى الأطفال والبهائم، لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر والنفع من الضر واللذة عن الألم لكان عالما غير هذا ونشأة أخرى غير هذه النشأة (٤).


(١) سورة الأنفال الآية ٣٧
(٢) صحيح مسلم: ١/ ١٢٨ كتاب الإيمان باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا: ٦٥ واللفظ له، مسند أحمد: ٥/ ٣٨٦: ٤٠٥.
(٣) المرباد: هو شدة البياض في سواد (أو شبه البياض) والكوز مجخيا أي منكوسا: صحيح مسلم: ١/ ١٣٠. (٢)
(٤) إغاثة اللهفان: ٢/ ١٨٩.