للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليظهرن الله الصادق منهم في قوله: آمنا بالله، من كذب الكاذب منهم، بابتلائه إياه؛ ليعلم صدقه من كذبه أولياؤه (١).

والله عز وجل بين في كتابه عن تمام حكمته، وأن حكمته لا تقضي أن كل من قال: أنه مؤمن، وادعى لنفسه الإيمان؛ أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته تعالى في الأولين وفي هذه الأمة أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغني والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل، ونحو ذلك من الفتن التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة.

فمن كان عند ورد الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته دل ذلك على صدق إيمانه وصحته، ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه (٢). فعلى هذا يكون الابتلاء تخليص الخير من الشر وتمييزه


(١) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ٢٠/ ١٢٩.
(٢) تيسير الكريم الرحمن: ٦/ ٦٦.