للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كريهة لديها بين الله سبحانه أن المكروه واقع لا محالة إن لم يكن بالهجرة فهو حاصل بالموت. فأولى أن يكون في سبيل الله كما أن الرزق حاصل وأسباب البحث عنه متوفرة في جميع بلاد الله الواسعة، فلا يكون طلبه في بقعة معينة سببا في ترك أمر الله بالهجرة.

فالله حقر أمر الدنيا عموما لئلا ينظر المؤمن إلى عاقبة تلحقه في خروجه من وطنه أن يموت أو يجوع أو نحو هذا (١). فالموت حاصل، والرزق جار، فالبدار إلى طاعة الله والهجرة إليه، فإن الله لما أمر بالهجرة ذكر بعدها الموت، ثم ذكر الرزق وأن البهائم على ضعفها وعدم تكفيرها قد تكفل الله برزقها، فكيف بابن آدم الذي أعطاه الله أسباب المعاش، وهيئه لعبادته، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (٢). وبعد أن حث على العمل والصبر ذكر الرزق فقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (٣)، فالرزق للجميع يستوي في ذلك: الحريص، والمتوكل، والراغب، والقانع، والحيول، والعاجز، حتى لا يغتر الجلد أنه مرزوق بجلده، ولا يتصور العاجز أنه ممنوع بعجزه (٤). ومن فتن الشبهات التي عمت في هذا الزمن، وانخدع بها كثير من الناس، الفتنة بالكفار، وفتنتهم بنا نحن


(١) انظر أحكام القرآن للقرطبي: ١٣/ ٣٥٨.
(٢) سورة العنكبوت الآية ٥٧
(٣) سورة العنكبوت الآية ٦٠
(٤) انظر أحكام القرآن للقرطبي: ١٣/ ٣٦٠.