عن جهل من أحدهما فإن الآخر بالخيار، وفي مثله ورد الحديث: أن رجلا كان يخدع في البيوع، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا بايعت فقل: لا خلابة (١)» زاد الدارقطني وغيره «ولك الخيار ثلاثا» وقد مهدناه في شرح الحديث ومسائل الخلاف فهذا أصل علم هذا الباب. فإن قيل: أنكرتم الإجمال في الآية، وما أوردتموه من البيان والشروط هو بيان ما لم يكن في الآية مبينا ولا يوجد عنها من القول ظاهرا.
قلنا: هذا سؤال من لم يحضر ما مضى من القول ولا ألقى إليه السمع وهو شهيد، وقد توضح في مسائل الكلام أن جميع ما أحل الله لهم أو حرم عليهم كان معلوما عندهم؛ لأن الخطاب جاء فيه بلسانهم فقد أطلق لهم حل ما كانوا يفعلونه من بيع وتجارة ويعلمونه، وحرم عليهم أكل المال بالباطل، وقد كانوا يفعلونه ويعلمونه ويتسامحون فيه، ثم إن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقي إليهم زيادة فيما كان عندهم من عقد أو عوض لم يكن عندهم جائزا فألقى إليهم وجوه الربا المحرمة في كل مقتات، وثمن الأشياء مع الجنس متفاضلا، وألحق به بيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب والبيع والسلف، وبين وجوه أكل المال بالباطل في بيع الغرر كله، أو ما لا قيمة له شرعا فيما كانوا يعتقدونه متقوما؛ كالخمر، والميتة، والدم، وبيع الغش، ولم يبق في الشريعة بعد هاتين الآيتين بيان يفتقر
(١) صحيح البخاري البيوع (٢١١٧)، صحيح مسلم البيوع (١٥٣٣)، سنن النسائي البيوع (٤٤٨٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٥٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١١٦)، موطأ مالك البيوع (١٣٩٣).