قوله:(ما ليس عندك) أي ما ليس في ملكك وقدرتك، والظاهر أنه يصدق على العبد المغصوب الذي لا يقدر على انتزاعه ممن هو في يده، وعلى الآبق الذي لا يعرف مكانه، والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه. ويدل على ذلك معنى (عند) لغة قال الرضي: (إنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدا) انتهى.
فيخرج عن هذا ما كان غالبا خارجا عن الملك أو داخلا فيه خارجا عن الحوزة، وظاهره أنه يقال لما كان حاضرا وإن كان خارجا عن الملك. فمعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تبع ما ليس عندك (١)» أي ما ليس حاضرا عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك.
قال البغوي: النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها، أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروط، فلو باع شيئا موصوفا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز، وإن لم يكن المبيع موجودا في ملكه حالة العقد كالسلم.
قال: وفي معنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلا لم يصح عند الأكثر إلا النحل، فإن الأصح فيه الصحة كما قاله النووي في زيادات الروضة، وظاهر النهي تحريم ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلا تحت مقدرته، وقد استثنى من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم، وكذلك إذا كان
(١) سنن الترمذي البيوع (١٢٣٢)، سنن النسائي البيوع (٤٦١٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٥٠٣)، سنن ابن ماجه التجارات (٢١٨٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٠٢).