للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغير عوض، وهذا التعليل أجود ما علل به النهى؛ لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا شك أن المنع من كل تصرف قبل القبض من غير فرق بين ما كان بعوض وما لا عوض فيه لا دليل عليه إلا الإلحاق لسائر التصرفات بالبيع، وقد عرفت بطلان إلحاق ما لا عوض فيه بما فيه عوض، ومجرد صدق اسم التصرف على الجميع لا يجعله مسوغا للقياس عارف بعلم الأصول.

قوله: (حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) فيه دليل على أنه لا يكفي مجرد القبض، بل لا بد من تحويله إلى المنزل الذي يسكن فيه المشتري أو يضع فيه بضاعته، وكذلك يدل على هذا قوله في الرواية الأخرى: (حتى يحولوه)، وكذلك ما وقع في بعض طرق مسلم عن ابن عمر بلفظ: «كنا نبتاع الطعام فبعث علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه (١)» وقد قال صاحب الفتح أنه لا يعتبر الإيواء إلى الرحال، لأن الأمر به خرج مخرج الغالب، ولا يخفى أن هذه دعوى تحتاج إلى برهان، لأنه مخالفة لما هو الظاهر، ولا عذر لمن قال: أنه يحمل المطلق على المقيد من المصير إلى ما دلت إليه هذه الروايات.

قوله: (جزافا) بتثليث الجيم والكسر أفصح من غيره وهو ما لم يعلم قدره على التفصيل، قال ابن قدامة: (يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشتري قدرها).


(١) صحيح البخاري البيوع (٢١٢٤)، صحيح مسلم البيوع (١٥٢٧)، سنن النسائي البيوع (٤٦٠٥)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٣)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١١٣)، موطأ مالك البيوع (١٣٣٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٩).