للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (١). .

وأعظم منزلة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه عبد الله ورسوله.

وفي التحيات: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (٢)».

وهذا التشريف والتكريم الإيماني لا ينطبق على البابليين ولا على الرومان؛ لأنهم جميعا من الوثنيين، إذن ينطبق هذا الوصف على رسول الله وأصحابه الذين جاءوا إلى المدينة ولليهود فيها نفوذ سياسي واقتصادي.

وكان من أول أعماله في المدينة إبرام المعاهدة السياسية بينه وبين اليهود، وأن اليهود جماعة مستقلة وأن المسلمين جماعة مستقلة، فلما غدر اليهود ونقضوا العهد كعادتهم ودأبهم سلط الله عليهم المسلمين فجاسوا خلال الديار اليهودية وتغلغلوا فيها وأزالوهم عن المدينة وخيبر وتيماء، وزال سلطانهم وتدمر علوهم، فكان ذلك من خلال معارك بني قريظة وبني النضير، ومعارك خيبر الشهيرة، وتأتي سورة الحشر لتؤكد هذا المعنى في قوله تعالى في وصف معارك المسلمين مع اليهود في المدينة: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (٣). .

إذن هو أخرجهم لأول الحشر، فخرج قسم منهم إلى أذرعات من أرض الشام حتى تبدأ المرة الثانية من علوهم وفسادهم، ويقول الله: {وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} (٤) يعني في عهد النبي والوحي ينزل، وأتمه أصحابه من بعده. وتبدأ الآيات بعد ذلك تتحدث عن المرة الثانية من العلو والفساد، فتخبر الآيات أن الله سيجعل لليهود الكرة عليهم، على من؟ على الذين جاسوا خلال الديار أول مرة، والكرة الدولة والسلطة. وحين أراد الله لليهود أن يكروا استعمل كلمة (ثم) وثم كما هو معروف معناها العطف مع التراخي أو المهلة فهل كر اليهود في التاريخ على البابليين وكانت لهم دولة وسلطة عليهم؟ لم يحدث ذلك في التاريخ ولن يحدث الآن، ولا في المستقبل؛ حيث إن البابليين قد انصرفوا من الدنيا كأمة وليس لهم مكان يعرفون فيه أو دولة يعيشون فيها، وحاشا لله ألا يصدق القرآن أو يكون خبره غير محقق، إذن لا بد أن تكون الكرة على أبناء الذين جاسوا خلال الديار وهم المسلمون أو العرب المسلمون فقد كر اليهود على ديار الشام وفلسطين منها وهذا هو الذي قد حدث ونعيشه الآن، ويعاني منه المسلمون كل المسلمين، وانظروا معي إلى بقية الآيات تمضي فتصف الواقع الذي نعيشه وتعيشه دولة اليهود إذ بعد أن جعل الله الكرة لليهود علينا يقول الله لليهود: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} (٥)، وهنا نسأل مرة أخرى، هل أمد الله اليهود في التاريخ بأموال وبنين غير هذه المرة؟ لم نعرف أن ذلك قد حدث، واليهود منذ أن غضب الله عليهم وهم في بلاء متصل وعذاب مستمر، فقبل الإسلام كان عذاب البابليين لهم والرومان، وبعد الإسلام أخرجهم المسلمون من الجزيرة ثم بدأت


(١) سورة الإسراء الآية ١
(٢) صحيح البخاري الأذان (٨٣١)، صحيح مسلم الصلاة (٤٠٢)، سنن الترمذي النكاح (١١٠٥)، سنن النسائي السهو (١٢٩٨)، سنن أبو داود الصلاة (٩٦٨)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (٨٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٢٨)، سنن الدارمي الصلاة (١٣٤٠).
(٣) سورة الحشر الآية ٢
(٤) سورة الإسراء الآية ٥
(٥) سورة الإسراء الآية ٦