بالعدل، ولحكمة أخرى وهي: التوصل بهما إلى سائر الأشياء، لأنهما عزيزان في أنفسهما، ولا غرض في أعيانهما. ونسبتهما إلى سائر الأموال نسبة واحدة، فمن ملكهما فكأنه ملك كل شيء. لا كمن ملك ثوبا فإنه لم يملك إلا الثوب، فلو احتاج إلى طعام ربما لم يرغب صاحب الطعام في الثوب، لأن غرضه في دابة مثلا. فاحتيج إلى شيء هو في صورته كأنه ليس بشيء، وهو في معناه كأنه كل الأشياء. والشيء إنما تستوي نسبته إلى المختلفات إذا لم تكن له صورة خاصة تفيدها بخصوصها، كالمرآة، لا لون لها وتحكي كل لون، فكذلك النقد لا غرض فيه وهو وسيلة إلى كل غرض، وكالحرف لا معنى له في نفسه وتظهر به المعاني في غيره، فهذه هي الحكمة الثانية.
وفيهما أيضا حكم يطول ذكرها، فكل من عمل فيهما عملا لا يليق بالحكم، بل يخالف الغرض المقصود بالحكم فقد كفر نعمة الله تعالى فيهما. فإن من كنزهما فقد ظلمهما وأبطل الحكمة فيهما، وكان كمن حبس حاكم المسلمين في سجن يمتنع عليه الحكم بسببه، لأنه إذا كنز فقد ضيع الحكم. ولا يحصل الغرض المقصود به، وما خلقت الدراهم والدنانير لزيد خاصة، إذ لا غرض للآحاد في أعيانهما، فإنهما حجران، وإنما خلقا لتتداولهما الأيدي، فيكونا حاكمين بين الناس- إلى أن قال-: وكل من عامل معاملة الربا على الدراهم والدنانير فقد كفر النعمة وظلم، لأنهما خلقا لغيرهما لا لأنفسهما، إذ لا غرض في عينيهما، فإذا اتجر في عينيهما فقد اتخذهما مقصودا على خلاف وضع الحكمة، إذ