خلق الدراهم والدنانير، وبهما قوام الدنيا، وهما حجران لا منفعة في أعيانهما، ولكن يضطر الخلق إليها، من حيث إن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة في مطعمه وملبسه وسائر حاجاته، وقد يعجز عما يحتاج إليه ويملك ما يستغني عنه، كمن يملك الزعفران مثلا، وهو محتاج إلى جمل يركبه، ومن يملك الجمل ربما يستغني عنه ويحتاج إلى الزعفران، فلا بد بينهما من معاوضة، ولا بد في مقدار العوض من تقدير، إذ لا يبذل صاحب الجمل جمله بكل مقدار من الزعفران، ولا مناسبة بين الزعفران والجمل حتى يقال يعطي منه مثله في الوزن أو الصورة. وكذلك من يشتري دارا بثياب، أو عبدا بخف أو دقيقا بحمار، فهذه الأشياء لا تناسب فيها. فلا يدري أن الجمل كم يساوي بالزعفران، فتتعذر المعاملات جدا، فافتقرت هذه الأعيان المتنافرة المتباعدة إلى متوسط بينها، يحكم فيها بحكم عدل، فيعرف من كل واحد رتبته ومنزلته، حتى إذا تقررت المنازل، وترتبت الرتب، علم بذلك المساوي من غير المساوي.
فخلق الله تعالى الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال، حتى تقدر الأموال بهما، فيقال هذا الجمل يساوي مائة دينار، وهذا القدر من الزعفران يساوي مائة. فهما من حيث إنهما متساويان بشيء واحد إذن متساويان. وإنما أمكن التعديل بالنقدين إذ لا غرض لأعيانهما. ولو كان في أعيانهما غرض ربما اقتضى خصوص ذلك الغرض في حق صاحب الغرض ترجيحا، ولم يقتض ذلك في حق من لا غرض له، فلا ينتظم الأمر. فإذن خلقهما الله تعالى لتتداولهما الأيدي، ويكونا حاكمين بين الأموال