للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها، ونواه، وقع كاللفظ، ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب به لا له.

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته، فحصل ذلك في حق البعض بالقول، وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف، ولأن كتابة القاضي تقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق (١).

فإن نوى بذلك تجويد خطه، أو تجربة قلمه لم يقع؛ لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع، فالكتابة أولى، وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى، ويقبل في الحكم في أصح الوجهين، فهاهنا أولى مع أنه ليس بلفظ.

وإن قال؛ نويت غم أهلي، فقد قال في رواية فيمن كتب طلاق زوجته، ونوى الطلاق وقع، وإن أراد أن يغم أهله، فقد عمل في ذلك أيضا، يعني أنه يؤاخذ به لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تكلم به (٢)»

فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق؛ لأن غم أهله يحصل بالطلاق، فيجتمع غم أهله ووقوع الطلاق، كما لو قال: أنت طالق يريد به غمها، ويحتمل أن لا يقع؛ لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته. فلا يكون ناويا للطلاق، والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به، فإذا كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق


(١) انظر: المغني لابن قدامة ج ١٤، ص ٧٤، شرح الزركشي على مختصر الخرقي ج ٧، ص ٢٧٩.
(٢) رواه مسلم في كتاب الإيمان، حديث ٢١٢ ج ١، ص ١١٩.