للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلق التحريم باتفاق الصنف واختلاف القدر في قوله صلى الله عليه وسلم لعامله بخيبر من حديث أبي سعيد وغيره: «إلا كيلا بكيل يدا بيد (١)»، رأوا أن التقدير - أعني الكيل أو الوزن - هو المؤثر في الحكم كتأثير الصنف، وربما احتجوا بأحاديث ليست مشهورة، فيها تنبيه قوي على اعتبار الكيل أو الوزن.

منها أنهم رووا في بعض الأحاديث المتضمنة المسميات المنصوص عليها في حديث عبادة زيادة، وهي كذلك ما يكال ويوزن، وفي بعضها وكذلك المكيال والميزان هذا نص لو صحت الأحاديث، ولكن إذا تؤمل الأمر من طريق المعنى ظهر -والله أكلم- أن علتهم أولى العلل، وذلك أنه يظهر من الشرع أن المقصود بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه.

وأن العدل في المعاملات هو مقاربة التساوي، ولذلك لما عسر إدراك التساوي في الأشياء المختلفة الذوات جعل الدينار والدرهم لتقويمها، أعني تقديرها، ولما كانت الأشياء المختلفة الذوات، أعني غير الموزونة والمكيلة، العدل فيها إنما هو في وجود النسبة، أعني أن تكون نسبة قيمة أحد الشيئين إلى جنسه نسبة قيمة الشيء الآخر إلى جنسه، مثال ذلك أن العدل إذا باع إنسان فرسا بثياب هو أن تكون نسبة قيمة الفرس إلى الأفراس هي نسبة قيمة ذلك الثوب إلى الثياب، فإن كان ذلك الفرس قيمته خمسون فيجب أن تكون تلك الثياب قيمتها خمسون، فليكن مثلا الذي يساوي هذا القدر عددها هو عشرة أثواب، فإن اختلاف هذه المبيعات بعضها ببعض في العدد واجب في المعاملة العدالة، أعني أن يكون عديل فرس


(١) صحيح البخاري البيوع (٢٢٠٢)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٨٤)، سنن الترمذي البيوع (١٢٤١)، سنن النسائي البيوع (٤٥٦٥)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٥٧)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٨١)، موطأ مالك البيوع (١٣٢٤).