وأما الأشياء المكيلة الموزونة فلما كانت ليست تختلف كل الاختلاف، وكانت منافعها متقاربة ولم تكن حاجة ضرورية لمن كان عنده منها صنف أن يستبدله بذلك الصنف بعينه إلا على جهة الصنف، كان العدل في هذه إنما هو بوجود التساوي في الكيل أو الوزن إذا كانت لا تتفاوت في المنافع، وأيضا فإن منع التفاضل في هذه الأشياء يوجب أن لا يقع فيها تعامل؛ لكون منافعها غير مختلفة، والتعامل إنما يضطر إليه في المنافع المختلفة، فإذا منع التفاضل في هذه الأشياء، أعني: المكيلة والموزونة، علتان: إحداهما: وجود العدل فيها، والثانية: منع المعاملة إذ كانت المعاملة بها من باب الصرف، وأما الدينار والدرهم فعلة المنع فيها أظهر؛ إذ كانت هذه ليس المقصود منها الربح، وإنما المقصود بها تقدير الأشياء التي لها منافع ضرورية.
وروى مالك عن سعيد بن المسيب أنه كان يعتبر في علة الربا في هذه الأصناف الكيل والطعم، وهو معنى جيد؛ لكون الطعم ضروريا في أقوات الناس، فإنه يشبه أن يكون حفظ العين وحفظ الصرف فيما هو قوت أهم منه فيما ليس هو قوتا، وقد روي عن بعض التابعين أنه اعتبر في الربا الأجناس التي تجب فيها الزكاة، وعن بعضهم الانتفاع مطلقا، أعني المالية، وهو مذهب ابن الماجشون.