للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١١ - حسن النية، وسلامة القصد من المفتي: وذلك بأن يكون الهدف الأساسي له في فتواه الإرشاد إلى الحق، وهداية العامة طريق الرشاد، والعمل بأحكام الشرع الحنيف،

فلا يداخله رياء أو سمعة، أو حب للظهور بين الناس بمظهر العالم الجليل، أو الغيرة على شريعة الله، دون أن يكون لذلك رصيد في قلبه: من حسن في النية، وحب لإسداء الخير للناس، كما لا يجوز أن يداخله قصد لحطام الدنيا أو عرض من أعراضها (١).

١٢ - الاحتراز وأخذ الحيطة في الفتوى: ويتجلى ذلك في صور متعددة، تختلف في مقاصدها لكنه يجمعها معنى الاحتراز والحيطة اللذين تشتمل عليها.

ومن هذه الصور أن يكون السؤال محتملا لصور متعددة، ولا يخلو الأمر في هذه الحالة من أن يكون المفتي عالما بالصورة التي يقصدها المستفتي بسؤاله أو لا؟ فإن لم يكن عالما بذلك لم يجب عن أي صورة منها (٢)، وإن كان عالما بما يقصده المستفتي، فقد اختلف العلماء (رحمهم الله) في الطريقة التي يسوغ للمفتي أن يسلكها في إجابته. فذهب بعضهم إلى أنه يسوغ له أن يخصها وحدها بالجواب، ولكن يحتاط في نفي توهم أن الإجابة عن غيرها؛ بأن يضع قيودا تدل دلالة واضحة على أنها هي المقصودة بالجواب، وأنها المخصوصة به دون غيرها، كأنه يقول: " إن كان الأمر كيت وكيت، أو كان المسئول عنه كذا وكذا، فالجواب كذا وكذا " (٣)، كما يسوغ له عند هؤلاء طريق آخر، وذلك بأن يذكر جميع الصور المحتملة في المقام، ثم يذكر حكم كل صورة من هذه الصور على حدة. ويرى فريق آخر من العلماء، أنه لا يسوغ للمفتي إلا أن يتبع الطريقة الأولى - طريقة تخصيص الصورة المسئول عنها بالجواب - ولا يسوغ له ذكر جميع الصور، وذكر أحكامها.

ويعضد رأيه بما يأتي:

أولا:

أن في ذلك تعليما للحيل، وفتح أبواب كثيرة، يستطيع المستفتي أن يدخل ويخرج من أيها شاء.

ثانيا:

أن ذلك قد يؤدي إلى ضياع مقصود من سؤاله؛ إذ أنه يقصد به الوصول إلى جواب يعمل به في واقعته التي سأل عنها، فإذا وجد نفسه أمام أحكام متعددة لصور مختلفة لا تعنيه ولا يهمه أمرها، ازدحمت عنده الأحكام، وصعب عليه فهمها، واستخلاص ما يحتاج إليه منها، ومن هنا يكون هذا المسلك


(١) ينظر الآمدي، الأحكام ٤/ ٢٢٢.
(٢) ابن القيم، أعلام الموقعين ٤/ ٢٥٥.
(٣) المصدر نفسه، والصفحة نفسها