للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنه روى حديثه المرسل في النهي عن بيع اللحم بالحيوان، واتبعه بهذا الكلام وجعل الحديث أصلا إذ لم يذكر غيره، فيجعل ترجيحا له، وإنما فعل ذلك لأن مراسيل سعيد تتبعت فوجدت كلها مسانيد عن الصحابة من جهة غيره. ومنهم من قال: لا فرق بين مرسل سعيد بن المسيب وبين مرسل غيره من التابعين، وإنما رجح الشافعي به، والترجيح بالمرسل صحيح، وإن كان لا يجوز أن يحتج به على إثبات الحكم، وهذا هو الصحيح من القولين عندنا؛ لأن من مراسيل سعيد ما لم يوجد مسندا بحال من وجه يصح. وقد جعل الشافعي لمراسيل كبار التابعين مزية على من دونهم، كما استحسن مرسل سعيد بن المسيب على من سواه (١)، اهـ.

قلت: وقد رد الخطيب على القول الأول في " الفقيه والمتفقه "، فقال: والذي يقتضي مذهب الشافعي أنه جعل لسعيد مزية في الترجيح لمراسيله خاصة؛ لأن أكثرها وجد متصلا من غير حديثه، لا أنه جعلها أصلا يحتج به (٢)، اهـ. وهذا هو الذي مال إليه ابن الصلاح فقال: ولهذا احتج الشافعي رضي الله عنه بمرسلات سعيد. . . ولا يختص ذلك عنده بإرسال ابن المسيب كما سبق (٣)، اهـ. وذلك بعد أن قال: إن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر (٤).، اهـ. وقال البيهقي: وقد ذكرنا لابن المسيب مراسيل لم يقبلها الشافعي حيث لم ينضم إليها ما يؤكدها ومراسيل لغيره قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها، قال: وزيادة ابن المسيب في هذا على غيره أنه أصح التابعين إرسالا فيما زعم الحفاظ (٥)، اهـ.

قال النووي فهذان إمامان حافظان فقيهان شافعيان متضلعان من الحديث والفقه والأصول والخبرة التامة بنصوص الشافعي ومعاني كلامه، وأما قول القفال: مرسل ابن المسيب حجة عندنا فهو محمول على التفصيل المتقدم، قال: ولا يصح تعلق من قال إنه حجة بقوله: إرساله حسن؛ لأن الشافعي لم يعتمد عليه وحده، بل لما انضم إليه من قول أبي بكر ومن حضره من الصحابة وقول أئمة التابعين الأربعة الذين ذكرهم وهم أربعة من فقهاء المدينة السبعة، وقد نقل ابن الصباغ وغيره هذا الحكم عن تمام السبعة، وهو مذهب مالك وغيره فهذا عاضد ثان للمرسل (٦)، اهـ. قلت: وقد نقل أن الشافعي كان يحتج بمرسلات سعيد في القديم لكونه يروي عن كبار الصحابة أو كان مرسله يعضده قولهم، وأنها سبرت فوجدت مأخوذة عن أبي هريرة لما بينهما من الوصلة والمصاهرة وأما مذهبه في الجديد أنه كغيره (٧)، وقال النووي وأما قول القفال:. . . . قال الشافعي في الرهن الصغير: مرسل سعيد عندنا حجة فهو محمول على التفصيل الذي قدمناه عن البيهقي والخطيب والمحققين (٨)، قلت: والذي في الرهن الصغير، قال: أي المناظر فكيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا، ولم تقبلوه عن غيره؟ قلنا: لا نحفظ أن ابن المسيب روى منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده، ولا آثره عن أحد فيما عرفنا عنه إلا ثقة معروف، فمن كان بمثل حاله قبلنا منقطعه، ورأينا غيره يسمي المجهول ويسمي من يرغب عن الرواية عنه ويرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بعض من لم يلحق من أصحابه - المستنكر، الذي لا يوجد له شيء يسدده، ففرقنا بينهم لافتراق أحاديثهم ولم نحاب


(١) الكفاية ٥٧١ - ٥٧٢.
(٢) الفقيه والمتفقه٢٢٧.
(٣) المقدمة ص ٤٩.
(٤) المقدمة ص٤٩
(٥) فتح المغيث ١: ١٤٠.
(٦) التدريب ١: ٢٠٠.
(٧) راجع تدريب الراوي ١: ٢٠٠ - ٢٠١.
(٨) فتح المغيث ١: ١٤٠ والتدريب ١: ٢٠٠.