للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدال ذلك على صحة البنية، وقوة الفحولية، وكمال الرجولية، مع ما هم فيه من الاشتغال بالعبادة والعلوم، وقد وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أبلغ المعجزة؛ لأنه مع اشتغاله بعبادة ربه وعلومه ومعالجة الخلق كان متقللا من المآكل والمشارب المقتضية لضعف البدن على كثرة الجماع، ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في ليلة بغسل واحد وهن إحدى عشرة امرأة، وقد تقدم في كتاب الغسل ويقال: إن كل من اتقى الله فشهوته أشد؛ لأن الذي لا يتقي يتفرج بالنظر ونحوه).

ثالثا: إنه قد ثبت أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق لأمته، وأنه أوتي جوامع الكلام والبلاغ المبين، وكمال الفصاحة في التعبير، فلم يكن ليلبس على أمته في كلامه عن غش وخديعة، ولا ليعمي في قوله لعي في لسانه أو عجز عن البيان، ولم يكن راوي هذا الحديث عنه - وهو عربي قح - ليخفى عليه ما حكاه صلى الله عليه وسلم صريحا عن نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام من قوله: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله، وأنه لم يقل: إن شاء الله، وتأكيد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «لو قالها لجاهدوا في سبيل الله فرسانا ولم يحنث (١)».

فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك على أنه مثال من أباطيل اليهود وخرافاتهم، وأن الصحابي توهم أنه صلى الله عليه وسلم ذكره بيانا لواقع وخبرا عن حقيقة، من زعم ذلك فقد اتبع هواه ووهمه الكاذب، وحرف معنى الحديث المقصود منه، وطعن في الصحابي، وظن برسول الله صلى الله عليه وسلم الظنون؛


(١) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٢٤)، صحيح مسلم الأيمان (١٦٥٤)، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٢)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٨٣١).