ولا يقولن قائل: الأحاديث قد دونت وجمعت، فخفاؤها والحال هذه بعيد؛ لأن هذه الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد انقراض الأئمة المتبوعين، ومع هذا فلا يجوز أن يدعى انحصار حديث رسول صلى الله عليه وسلم في دواوين معينة، ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم، ولا يكاد ذلك يحصل لأحد، بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط بما فيها، بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير؛ لأن كثيرا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول، أو بإسناد منقطع، أو لا يبلغنا بالكلية، فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين، وهذا أمر لا يشك فيه من علم القضية.
السبب الثاني: أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده؛ إما لأن محدثه أو محدث محدثه أو غيره من رجال الإسناد مجهولون عنده، أو متهمون أو سيئو الحفظ، وإما لأنه لم يبلغه مسندا بل منقطعا.
وقد يروى عند غيره بإسناد ثقات متصل مع معرفة المجهول عنده، أو قد يكون رواه غير أولئك المجروحين عنده، وقد يكون لفظ الحديث غير مضبوط عنده وعند غيره مضبوطا.
والخلاصة: أن الأحاديث قد تبلغ كثيرا من العلماء من طرق ضعيفة، وقد بلغت غيرهم من طرق صحيحة غير تلك الطرق