للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمجالسته (١).

فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع، الداعين إليها، والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستترا بمعصية أو مسرا لبدعة غير مكفرة، فإن هذا لا يهجر، إنما يهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولا أو عملا، وأما من أظهر لنا خيرا فإنا نقبل علانيته ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله.

لهذا كان الإمام أحمد ومن كان قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة، ولا يجالسونه بخلاف الساكت (٢).

هذا وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن افتراق هذه الأمة، وظهور أهل الأهواء والبدع فيهم، وحكم النجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه -رضي الله عنهم -، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره، ويتبرأ منه، ويتركه حيا وميتا، فلا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته، ويراجع الحق.

والنهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من


(١) أخرجه الدارمي عن نافع، سنن الدارمي ج ١١ ص ٥٥.
(٢) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية، ج ٢٤ ص ١٧٤، ١٧٥.