ولاهتمامهم بالشعر قولا وحفظا، اتجهوا لنظم العلوم التي يتلقون عن مشايخهم.
وإن من لا يعرف حالهم، يتصور أن مع كل واحد منهم كتابا، أو عدة كتب، يستذكرها ويأخذ منها، والحقيقة أن الكتاب، وغالبة هو مخطوط، ومصان في غلاف جلدي سميك، يحمله الشيخ في مزادة رحله، ولا يعود إليه، إلا عندما تشذ واردة في حفظه، أما مدرستهم التي يتلقون فيها العلم في المرعى، فهي ظل شجرة، أو فيء يسير عندما تشتد حرارة الشمس، وإلا ففي الهواء الطلق.
وللنابهين من الطلاب دور كبير في إعانة أقرانهم، كما هي الحال في سيرة الشيخ حافظ - رحمه الله- في التحصيل والتعليم، التي علمناها من استعراض سيرة حياته.
تذكرت هذه الصورة الحية، التي وقفت عليها في موريتانيا، وأنا أقرأ سيرة الشاب حافظ في جميع الكتب التي مر بنا ذكرها، فوجدت تشابها كبيرا مع بعد الدار بين موطن وموطن، فقد وهب الله حافظا: ذكاء فطريا، وحافظة هي من النوادر، مع رغبة جامحة في طلب العلم، وهو الذي لم يوجهه أب متعلم، ولم تدفعه نظرة اجتماعية، ولا مماراة أسرية، فكانت هاتان الحاستان، مما دفع حافظا إلى الجد في تلمس مداخل العلم، والحرص عليه، رغم مشقة الحصول على وسائله، لكنه اندفع بعد ما انفتح له الطريق، الموصل إلى الغاية المنشودة، كالظامئ