للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعديل أو جرح لأنها شهادة باطلة على نفي ما يصح ويجوز وقوعه وإن لم يعلموه فثبت ما ذكرناه. وقال (١) أيضا: والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما، وقد (٢) أبطل ابن القيم - رحمه الله - حديث أم سلمة بما ثبت في الصحيحين عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: «استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قبله وقبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة قالت فأذن لها فخرجت قبل دفعه وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه ولأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة أحب إلى من مفروح به (٣)»

وجه الدلالة أن الحديث الصحيح يبين أن نساءه غير سودة إنما دفعن معه وقد رد هذا الاستدلال بما رواه الدارقطني وغيره عن عائشة - رضي الله عنها - «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نساءه أن يخرجن من جمع ليلة جمع ويرمين الجمرة ثم نصبح في منزلنا فكانت تصنع ذلك حتى ماتت (٤)».

وقد أجاب ابن القيم - رحمه الله - عن هذا الرد فقال: يرده محمد بن حميد أحد رواته كذبه غير واحد.

ويرده أيضا حديثها الذي في الصحيحين وقولها " وددت إني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة ".

وقد أورد على جواب ابن القيم بأنه ثبت في صحيح مسلم عن أم حبيبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل (٥)».

فأجاب عنه بأنها من الضعفة التي قدمها صلى الله عليه وسلم.

ثم أورد ابن القيم اعتراضا فقال: فما تصنعون بما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر (٦)».

فأجاب عنه بقوله قيل: نقدم عليه حديثه الآخر الذي رواه أيضا الإمام أحمد والترمذي وصححه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله وقال: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (٧)»، ولفظ أحمد فيه: «قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (٨)» لأنه أصح منه وفيه «نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الجمرة قبل طلوع الشمس» وهو محفوظ بذكر القصة فيه، والحديث الآخر إنما فيه أنهم رموها مع الفجر. انتهى كلام ابن القيم. وأما الاعتراض عليه من جهة متنه: فقال (٩) ابن القيم: وأما حديث عائشة رضي الله عنها «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم


(١) الكفاية في علم الرواية ١٠٧
(٢) زاد المعاد ١/ ٤٧٠، ٤٧١
(٣) صحيح البخاري الحج (١٦٨١)، صحيح مسلم الحج (١٢٩٠)، سنن النسائي مناسك الحج (٣٠٤٩)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٢٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٦٤)، سنن الدارمي المناسك (١٨٨٦).
(٤) سنن النسائي مناسك الحج (٣٠٦٦).
(٥) صحيح مسلم الحج (١٢٩٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٤٢٧)، سنن الدارمي المناسك (١٨٨٥).
(٦) مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٢٠).
(٧) صحيح البخاري الحج (١٦٧٨)، سنن الترمذي الحج (٨٩٣)، سنن النسائي مناسك الحج (٣٠٤٨)، سنن أبو داود المناسك (١٩٤١)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٢٦).
(٨) صحيح البخاري كتاب الأدب (٦١٤٨)، صحيح مسلم الجهاد والسير (١٨٠٢)، سنن الترمذي الحج (٨٩٣)، سنن النسائي مناسك الحج (٣٠٦٤)، سنن أبو داود المناسك (١٩٤٠)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٢٥)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣١١).
(٩) زاد المعاد ١/ ٤٧٠، ٤٦٩