للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما التعليق الذي يقصد به اليمين فيمكن التعبير عن معناه بصيغة القسم بخلاف النوع الأول فإنه لا يمكن التعبير عن معناه بصيغة القسم، وهذا القسم إذا ذكره بصيغة الجزاء فإنما يكون إذا كان كارها للجزاء، أو هو أكره إليه من الشرط، فيكون كارها للشرط، وهو للجزاء أكره، ويلتزم أعظم المكروهين عنده ليمتنع به من أوفى المكروهين، فيقول إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو عبيدي أحرارا أو علي الحج، ونحو ذلك، أو يقول لامرأته إن زنيت أو سرقت أو خنت فأنت طالق بقصد زجرها أو تخويفها باليمين لإيقاع الطلاق إذا فعلت لأنه يكون مريدا لها، وإن فعلت ذلك لكون طلاقها أكره إليه من مقامها على تلك الحال، فهو علق بذلك لقصد الحظر والمنع، لا لقصد الإيقاع، فهذا حالف ليس بموقع وهذا هو الحالف في الكتاب والسنة، وهو الذي تجزئه الكفارة، والناس يحلفون بصيغة القسم، وقد يحلفون بصيغة الشرط التي في معناها فإن علم هذا وهذا سواء باتفاق العلماء.

١٤ - وقال أيضا (١) إذا حلف الرجل بالحرام فقال: الحرام يلزمني لا أفعل كذا، أو الحل علي حرام لا أفعل كذا، أو ما أحل الله علي حرام إن فعلت كذا، أو ما يحل للمسلمين يحرم علي إن فعلت كذا، أو نحو ذلك وله زوجة ففي هذه المسألة نزاع مشهور بين السلف والخلف، ولكن القول الراجح أن هذه يمين من الأيمان لا يلزمه بها طلاق، ولو قصد بذلك الحلف بالطلاق، وهذا مذهب الإمام أحمد المشهور عنه، حتى لو قال: أنت علي حرام ونوى به الطلاق لم يقع عنده، ولو قال: أنت علي كظهر أمي وقصد به الطلاق فإن هذا لا يقع به الطلاق عند عامة العلماء، وفي ذلك أنزل الله القرآن فإنهم كانوا يعدون الظهار طلاقا، والإيلاء طلاقا، فرفع الله ذلك كله وجعل في الظهار الكفارة الكبرى، وجعل الإيلاء يمينا يتربص فيها الرجل أربعة أشهر- فإما أن يمسك بمعروف أو يسرح بإحسان، كذلك قال كثير من السلف والخلف- إنه إذا كان متزوجا فحرم امرأته أو حرم الحلال مطلقا كان مظاهرا، وهذا مذهب أحمد، وإذا حلف بالظهار والحرام لا يفعل شيئا وحنث في يمينه أجزأته الكفارة في مذهبه، لكن قيل إن الواجب كفارة ظهار، سواء حلف أو أوقع وهو المنقول عن أحمد، وقيل بل إن حلف أجزأه كفارة يمين وإن أوقعه لزمه كفارة ظهار وهذا أقوى وأقيس على أصول أحمد وغيره كالحلف بالحرام يجزيه كفارة يمين، كما يجزئ الحالف بالنذر إذا قال إن فعلت كذا فعلي الحج، أو مالي صدقة، كذلك إذا حلف بالعتق يجزئه كفارة عند أكثر السلف من الصحابة والتابعين، وكذلك الحلف بالطلاق يجزئ فيه كفارة يمين كما أفتى به جماعة من السلف والخلف، والثابت عن الصحابة لا يخالف ذلك بل معناه يوافقه فكل يمين يحلف بها المسلمون في أيمانهم ففيها كفارة يمين كما دل عليه الكتاب والسنة، وأما إذا كان مقصود الرجل أن يطلق أو أن يعتق أو أن يظاهر، فهذا يلزمه ما أوقعه سواء كان منجزا أو معلقا ولا يجزئه كفارة يمين.

١٥ - وقال ابن القيم (٢): ومن هذا الباب اليمين بالطلاق والعتاق فإن إلزام الحالف بهما إذا حنث بطلاق زوجته وعتق عبده مما حدث الإفتاء به بعد انقراض عصر الصحابة، فلا يحفظ عن صحابي في صيغة القسم إلزام الطلاق به أبدا، وإنما المحفوظ إلزام الطلاق بصيغة الشرط والجزاء إن قصد به الطلاق عند وجود الشرط كما


(١) مجموع الفتاوى ٣٣/ ٧٤
(٢) إعلام الموقعين ٣/ ٤٦ - ٥٤