للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن حزم وصح عن ابن عمر وعائشة وأم سلمة أمي المؤمنين، وعن ابن عمر أنهم جعلوا في قول ليلى بنت العجماء كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق امرأتك كفارة يمين واحدة، فإذا صح هذا عن الصحابة، ولم يعلم لهم مخالف سوى هذا الأثر المعلول أثر عثمان بن حاضر في قول الحالف عبده حر إن فعل أنه يجزيه كفارة يمين، وإذا لم يلزموه بالعتق المحبوب إلى الله تعالى فلأن لا يلزموه بالطلاق البغيض إلى الله أولى وأحرى، كيف وقد أفتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الحالف بالطلاق أنه لا شيء عليه، ولم يعرف له في الصحابة مخالف، قال عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد بن علي التيمي المعروف بابن بزيزة في شرحه لأحكام عبد الحق " الباب الثالث في حكم اليمين بالطلاق أو الشك فيه " وقد قدمنا في كتاب الأيمان اختلاف العلماء في اليمين بالطلاق والعتق والمشي وغير ذلك هل يلزم أم لا؟ فقال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه وشريح وطاوس لا يلزم من ذلك شيء ولا يقضي بالطلاق على من حلف به بحنث، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة، هذا لفظه بعينه، فهذه فتوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلف بالعتق والطلاق، وقد قدمنا فتاويهم في وقوع الطلاق المعلق بالشرط، ولا تعارض بين ذلك فإن الحالف لم يقصد وقوع الطلاق، وإنما قصد منع نفسه بالحلف بما لا يريد وقوعه فهو كما لو خض أو منع نفسه بالتزام التطليق والإعتاق والحج والصوم وصدقة المال، وكما لو قصد منع نفسه بالتزام ما يكرهه من الكفر فإن كراهته لذلك كله، وإخراجه مخرج اليمين بما لا يريد وقوعه منع من ثبوت حكمه، وهذه علة صحيحة فيجب طردها في الحلف بالعتق والطلاق إذ لا فرق ألبتة. والعلة متى تخصصت بدون فوات شرط أو وجود مانع دل ذلك على فسادها، كيف والمعنى الذي منع لزوم الحج والصدقة والصوم بل لزوم الإعتاق والتطليق، بل لزوم اليهودية والنصرانية هو في الحلف بالطلاق أولى، أما العبادات المالية والبدنية فإذا منع لزومها قصد اليمين، وعدم قصد وقوعها فالطلاق أولى، وكل ما يقال في الطلاق فهو بعينه في صور الإلزام سواء بسواء، وأما الحلف بالتزام التطليق والإعتاق فإذا كان قصد اليمين قد منع ثلاثة أشياء وهي: وجوب التطليق، وفعله، وحصول أثره، وهو الطلاق، فلأن يقوى على منع واحد من الثلاثة وهو وقوع الطلاق وحده أولى وأحرى، وأما الحلف بالتزام الكفر الذي يحصل بالنية تارة وبالفعل تارة، وبالقول تارة، وبالشك تارة ومع هذا فقصد اليمين منع من وقوعه فلأن يمنع من وقوع الطلاق أولى وأحرى، وإذا كان العتق الذي هو أحب الأشياء إلى الله ويسري في ملك الغير وله من القوة وسرعة النفوذ ما ليس لغيره ويحصل بالملك والفعل، قد منع قصد اليمين من وقوعه كما أفتى به الصحابة فالطلاق أولى وأحرى بعدم الوقوع وإذا كانت اليمين بالطلاق قد دخلت في قول - المكلف (أيمان المسلمين تلزمني) عند من ألزمها بالطلاق فدخولها في قول رب العالمين {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (١) أولى وأحرى، وإذا دخلت في قول الحالف: إن حلفت يمينا فعبدي حر فدخولها في قول النبي صلى الله عليه وسلم «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير (٢)» أولى وأحرى.

وإذا دخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم «من حلف فقال إن شاء الله فإن شاء فعل وإن شاء ترك (٣)» فدخولها في قوله: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه أولى


(١) سورة التحريم الآية ٢
(٢) صحيح مسلم الأيمان (١٦٥٠)، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٠)، موطأ مالك النذور والأيمان (١٠٣٤).
(٣) سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٢)، سنن ابن ماجه الكفارات (٢١٠٤).