للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحرى، (١)» فإن الحديث أصح وأصرح، وإذا دخلت في قوله: «من حلف على يمين فاجرة يتقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان (٢)» فدخولها في قوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (٣) أولى وأحرى بالدخول، أو مثله، وإذا أدخلت في قوله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر} (٤) فلو حلف بالطلاق كان موليا، فدخولها في نصوص الأيمان أولى وأحرى؛ لأن الإيلاء نوع من اليمين، فإذا دخل الحلف في الطلاق في النوع فدخوله في الجنس سابق عليه، فإن النوع مستلزم الجنس، ولا ينعكس، وإذا دخلت في قوله: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) فكيف لا يدخل في بقية نصوص الأيمان، وما الذي أوجب هذا التخصيص من غير مخصص، وإذا دخلت في قوله: «إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق (٥)» فهلا دخلت في غيره من نصوص اليمين وما الفرق المؤثر شرعا أو عقلا، أو لغة؟ وإذا دخلت في قوله: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (٦) فهلا دخلت في قوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (٧).

وإذا دخلت في قول الحالف " أيمان البيعة تلزمني " وهي الأيمان التي رتبها الحجاج، فلم لا تكون أولى بالدخول في لفظ الأيمان في كلام الله تعالى ورسوله فإن كانت يمين الطلاق يمينا شرعية بمعنى أن الشرع اعتبرها وجب أن تعطي حكم الأيمان، وإن لم تكن يمينا شرعية كانت باطلة في الشرع فلا يلزم الحالف بها شيئا كما صح عن طاوس من رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عنه (ليس الحلف بالطلاق شيئا) وصح عن عكرمة من رواية سنيد بن داود بن علي في تفسيره عنه أنها من خطوات الشيطان لا يلزم بها شيء، وصح عن شريح قاضي أمير المؤمنين علي وابن مسعود أنها لا يلزم بها طلاق وهو مذهب داود بن علي وجميع أصحابه وهو قول بعض أصحاب مالك في بعض الصور فيما إذا حلف عليها بالطلاق على شيء لا تفعله هي كقوله: - إن كلمت فلانا فأنت طالق - قال: لا تطلق إن كلمته؛ لأن الطلاق لا يكون بيدها إن شاءت طلقت وان شاءت أمسكت وهو قول بعض الشافعية في بعض الصور، كقوله: الطلاق يلزمني، أو لازم لي لا أفعل كذا وكذا فإن لهم فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه إن نوى وقوع الطلاق بذلك لزمه وإلا فلا يلزمه وجعله هؤلاء كناية، والطلاق يقع بالكناية مع النية.

الوجه الثاني: إنه صريح فلا يحتاج إلى نيته وهذا اختيار الروياني، ووجهه أن هذا اللفظ قد غلب في إرادة الطلاق فلا يحتاج إلى نية.


(١) صحيح مسلم الأيمان (١٦٥٠)، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٠)، موطأ مالك النذور والأيمان (١٠٣٤).
(٢) صحيح البخاري المساقاة (٢٣٥٧)، صحيح مسلم الإيمان (١٣٨)، سنن الترمذي تفسير القرآن (٢٩٩٦)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (٣٢٤٣)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٢٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٧٩).
(٣) سورة المائدة الآية ٨٩
(٤) سورة البقرة الآية ٢٢٦
(٥) صحيح مسلم المساقاة (١٦٠٧)، سنن النسائي البيوع (٤٤٦٠)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٩٧).
(٦) سورة المائدة الآية ٨٩
(٧) سورة المائدة الآية ٨٩