للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أن يمين الطلاق لا كفارة فيها ولو قلنا هي يمين.

والثاني: أن عموم الآية مخصوص فلا تجب الكفارة في كل ما يطلق عليه اسم اليمين لغة، وإذا كانت الكفارة لا تجب في كل ما يسمى يمينا في اللغة لم تبق الآية الكريمة مجراة على عمومها، وحينئذ فالآية إما محمولة على اليمين الشرعية، أو على اليمين اللغوية، والحمل على الموضوع الشرعي أولى عند المحققين من العلماء فإذا كان للفظ معنى في اللغة ومعنى في الشرع إما يقاربه وإما يباينه ووجدنا ذلك اللفظ في خطاب الشارع حملناه على معناه في الشرع فإن تعذر حملناه على معناه في اللغة والعرف، وهاهنا في الآية زيادة وهي أن الحمل فيها على الموضوع اللغوي يوجب تخصيص عمومها والحمل على المعنى الشرعي قد لا يوجب ذلك، وما سلم من التخصيص أو كان أقل تخصيصا كان أولى فيتعين حمل الأيمان في الآية الكريمة على المعنى الشرعي، واليمين الشرعية هي ما شرع الحلف به، أو لم يكره ولم يحرم، وقد قال صلى الله عليه وسلم «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله (١)» وكانت قريش تحلف بآبائها فقال «لا تحلفوا بآبائكم (٢)» وفي سنن النسائي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون (٣)» فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل يمين بغير الله عز وجل وما نهى عنه لم يكن شرعيا، ولا فرق بين اليمين باسم الله عز وجل أو غيره من الأسماء الحسنى والصفات العليا والكل شرعي ينعقد فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف فيقول «لا ومقلب القلوب (٤)» وفي حديث صفة الجنة أن جبريل قال «وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها (٥)» ولما حلف الصحابة بالكعبة قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم «قولوا ورب الكعبة (٦)» فكل أيمان شرعية؛ لأن المعنى في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف تعظيم للمحلوف به على وجه لا يليق بغير الله عز وجل، فبأي اسم من أسماء الله عز وجل أو صفاته حلف لم يكن معظما لغير الله تعالى فإذا كانت اليمين الشرعية هي اليمين بالله عز وجل أو صفاته كانت الآية محمولة على ذلك فدلت الآية على أن كل يمين بالله أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته يوجب الكفارة عند الحنث؛ لأن اللفظ شرعي فيحمل على المعنى الشرعي وتكون الآية على عمومها في كل الأيمان الشرعية فلا تكون الآية دالة على إيجاب الكفارة في شيء من الأيمان سوى الأيمان الشرعية وهي الأيمان بالله وبأسمائه وصفاته ولا تدخل اليمين بالطلاق ولا غيرها في ذلك.


(١) صحيح البخاري المناقب (٣٨٣٦)، صحيح مسلم الأيمان (١٦٤٦)، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٤)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٧٦٦)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (٣٢٤٩)، سنن ابن ماجه الكفارات (٢٠٩٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٤٢)، موطأ مالك النذور والأيمان (١٠٣٧)، سنن الدارمي النذور والأيمان (٢٣٤١).
(٢) صحيح البخاري المناقب (٣٨٣٦)، صحيح مسلم الأيمان (١٦٤٦)، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٤)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٧٦٦)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (٣٢٤٩)، سنن ابن ماجه الكفارات (٢٠٩٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٤٢)، موطأ مالك النذور والأيمان (١٠٣٧)، سنن الدارمي النذور والأيمان (٢٣٤١).
(٣) صحيح البخاري المناقب (٣٨٣٦)، صحيح مسلم الأيمان (١٦٤٦)، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٤)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (٣٢٤٩)، سنن ابن ماجه الكفارات (٢٠٩٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٤٢)، موطأ مالك النذور والأيمان (١٠٣٧)، سنن الدارمي النذور والأيمان (٢٣٤١).
(٤) صحيح البخاري القدر (٦٦١٧)، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٤٠)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٧٦١)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (٣٢٦٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٦٨)، سنن الدارمي النذور والأيمان (٢٣٥٠).
(٥) سنن الترمذي صفة الجنة (٢٥٦٠)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٧٦٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٣٣).
(٦) سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٧٧٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٧٢).