للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولا: موافقة محبة الله في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.

ثانيا: طلب محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تكثير من به مباهاة.

ثالثا: طلب البركة وكثرة الأجر ومغفرة الذنب بدعاء الولد الصالح له بعده.

وأكد الغزالي أن الوجه الأول أقواها وأظهرها لذوي الألباب، وضرب لذلك مثلا خلاصته: سيد أعطى عبده بذورا وآلات حراثة وأرضا صالحة للزراعة ووكل به رقيبا يستحثه فإن تراخى العبد في الحراثة والزرع ونحى ذلك الوكيل الذي يستحثه فقد استوجب غضب سيده وطرده، والله تعالى خلق الزوجين الذكر والأنثى وزود كلا منهما بخواصه. وجعل الشهوة فيهما قوة دافعة إلى إظهار حكمته تعالى في التناسل والإنجاب، فمن انحرف عن ذلك أو عارضه فهو متحد لسنن الله في الكون مستوجب لغضبه وسخطه (١).

ومن المعلوم أن الأولاد منذ القديم كانوا أمنية الناس حتى الأنبياء والمرسلين وسائر عباد الله الصالحين، وسيظلون كذلك ما سلمت فطرة الإنسان، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (٢) ولما دعا إبراهيم قومه إلى توحيد الله وعبادته دون سواه وصبر على أذاهم وثابر على دعوتهم ألقوه في النار وأنجاه الله منها، واعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهب له إسماعيل ثم إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب استجابة لقوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} (٣) بشره بإسماعيل أولا، ولما بلغ معه السعي ابتلاه فيه، وأمره بذبحه، وآثر امتثال أمر ربه على حبه لولده، وصدق في تنفيذ أمره، فبشره ثانيا بإسحاق نبيا من الصالحين، وجعل النبوة في ذرية خليله من بعده، جزاء كريما بصبره على الأذى في سبيل الدعوة إلى الله ونجاحه أتم نجاح فيما ابتلاه الله به من كلمات. فالأولاد نعمة تتعلق بها قلوب البشر وترجوها؛ لتأنس بها من الوحشة، وتقوى بها عند الوحدة، وتكون قرة عين لها في الدنيا والآخرة، ولذا طلبها إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} (٤) وطلب زكريا عليه السلام من ربه ذرية طيبة، قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (٥) وقال: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} (٦) {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (٧) {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (٨) {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} (٩) {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (١٠) {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} (١١) وأثنى سبحانه


(١) الجزء الثاني من كتاب إحياء علوم الدين
(٢) سورة الأعراف الآية ١٨٩
(٣) سورة الصافات الآية ١٠٠
(٤) سورة الصافات الآية ١٠٠
(٥) سورة الأنبياء الآية ٨٩
(٦) سورة مريم الآية ٢
(٧) سورة مريم الآية ٣
(٨) سورة مريم الآية ٤
(٩) سورة مريم الآية ٥
(١٠) سورة مريم الآية ٦
(١١) سورة مريم الآية ٧