للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكأن الصحابة رضوان الله عليهم قد تعجبوا من توبة المنافقين الذين وصفهم الله تعالى: بأنهم في الدرك الأسفل من النار، دليله ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن الأسود قال: " كنا في حلقة عبد الله، فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم، ثم قال: لقد نزل النفاق على قوم خير منكم، قال الأسود: سبحان الله؟ إن الله يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (١). فتبسم عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد الله فتفرق أصحابه، فرماني بالحصى فأتيته، فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا، فتاب الله عليهم.

قال الحافظ ابن حجر: " ويستفاد من قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (٢) صحة توبة الزنديق وقبولها على ما عليه الجمهور، فإنها مستثناة من المنافقين من قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (٣) وقد استدل بذلك جماعة، منهم: أبو بكر الرازي في كتابه أحكام القرآن " (٤).

وقال ابن عاشور في تفسيره: " واستثنى من هذا الوعيد من آمن من المنافقين، وأخلص دينه له، فلم يشبه بتردد ولا تربص


(١) سورة النساء الآية ١٤٥
(٢) سورة النساء الآية ١٤٦
(٣) سورة النساء الآية ١٤٥
(٤) راجع صحيح البخاري، ٨/ ٢٠٠.