للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن توبة الصحابة أيضا ما فعله حنظلة الأسيدي، حيث رمى نفسه بالنفاق، يقول: «نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما ذاك؟ " قال: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا نراهما رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج، وداعبنا الأولاد، ونسينا كل شيء، فقال رسول الله خير: " والذي نفسي بيده: إن لو تدومون على ما تكونون عليه عندي [من ذكر وعبادة]، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة " يكررها ثلاث مرات (١)».

هكذا كان إحساس الصحابة الذين تربوا في رحاب الإسلام، مراقبة تامة لربهم، وتدقيق في كل عمل يقومون به، وخوف من الله تعالى أن يعمل أحدهم عملا؛ فينزل في شأنه قرآن يعاتبه فيه ربه، أو يلومه على شيء صدر منه كما قال تعالى لرسوله الكريم: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (٢). ومن قبل الصحابة، وعند الأمم السابقة يحدثنا الرسول عن توبة أصحاب الغار.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما ثلاثة نفر يمشون إذ أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت عليهم في غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم باب الغار، فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بصالح أعمالكم فدعوا الله -عز وجل- فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأة وصبيان فكنت أرعى عليهم، فإذا رحت حلبت، فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني، وإنه نأى بي طلب


(١) صحيح مسلم، ٣/ ٢١٠٦، ح ٢٧٥٠.
(٢) سورة الأحزاب الآية ٣٧