للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما حديث جدامة بنت وهب فإنه وإن كان رواه مسلم فإن الأحاديث الكثيرة على خلافه، وقد قال أبو داود - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى: أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثه أن رفاعة حدثه عن أبي سعيد الخدري " أن رجلا قال: «يا رسول الله، إن لي جارية، وأنا أعزل عنها. وأنا أكره أن تحمل. وأنا أريد ما يريد الرجال، وأن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى. قال كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه (١)» وحسبك بهذا الإسناد صحة فكلهم ثقات حفاظ، وقد أعله بعضهم بأنه مضطرب، فإنه اختلف فيه على يحيى بن أبي كثير. فقيل: عنه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله ومن هذه الطريق أخرجه الترمذي والنسائي، وقيل فيه عن أبي مطيع عن رفاعة وقيل عن أبي رفاعة. وقيل: عن أبي سلمة أن أبا هريرة. وهذا لا يقدح في الحديث. فإنه عند يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر. وعنده عن ابن ثوبان، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعنده عن ابن ثوبان، عن رفاعة عن أبي سعيد. ويبقى الاختلاف في اسم أبي رفاعة: هل هو رفاعة، أو ابن رفاعة، أو أبو مطيع؟ وهذا لا يضر مع العلم بحال رفاعة. ولا ريب أن أحاديث جابر صريحة صحيحة في جواز العزل وقد قال الشافعي ونحن نروي عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم رخصوا في ذلك، ولم يروا به بأسا. قال البيهقي: وقد روينا الرخصة فيه عن سعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وابن عباس وغيرهم. وهو مذهب مالك والشافعي وأهل الكوفة، وجمهور أهل العلم.

وقد أجيب عن حديث جدامة بأنه على طريق التنزيل وضعفته طائفة، وقالوا: كيف يصح أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كذب اليهود في ذلك، ثم يخبر به كخبرهم؟ هذا من المحال البين. وردت عليهم طائفة أخرى، وقالوا: حديث تكذيبهم فيه اضطراب. وحديث جدامة في الصحيح. وجمعت طائفة أخرى بين الحديثين، وقالت: إن اليهود كانت تقول: إن العزل لا يكون معه حمل أصلا. فكذبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. ويدل عليه قوله: صلى الله عليه وسلم «لو أراد الله أن يخلقه لما استطعت أن تصرفه (٢)» وقوله: «إنه الوأد الخفي (٣)» وإن لم يمنع الحمل بالكلية، كترك الوطء. فهو مؤثر في تقليله. قالت طائفة أخرى: الحديثان صحيحان. ولكن حديث التحريم ناسخ. وهذه طريقة أبي محمد بن حزم. قالوا: لأنه ناقل عن الأصل. والأحكام كانت قبل التحريم على الإباحة ودعوى هؤلاء: تحتاج إلى تاريخ محقق، يبين تأخير أحد الحديثين عن الآخر، وأنى لهم به؟ وقد اتفق عمر وعلي على أنها لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع. فروى القاضي أبو يعلي وغيره بإسناده عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال " جلس إلى عمر: علي والزبير وسعد


(١) سنن أبو داود النكاح (٢١٧١)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٨٢)، موطأ مالك الطلاق (١٢٦٢)، سنن الدارمي النكاح (٢٢٢٤).
(٢) صحيح البخاري المغازي (٤١٣٨)، صحيح مسلم النكاح (١٤٣٨)، سنن الترمذي النكاح (١١٣٨)، سنن النسائي النكاح (٣٣٢٧)، سنن أبو داود النكاح (٢١٧١)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٢٦)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٨٢)، موطأ مالك الطلاق (١٢٦٢)، سنن الدارمي النكاح (٢٢٢٤).
(٣) صحيح مسلم النكاح (١٤٤٢)، سنن الترمذي الطب (٢٠٧٧)، سنن النسائي النكاح (٣٣٢٦)، سنن أبو داود الطب (٣٨٨٢)، سنن ابن ماجه النكاح (٢٠١١)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٤٣٤)، موطأ مالك الرضاع (١٢٩٢)، سنن الدارمي النكاح (٢٢١٧).