في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكروا العزل. فقالوا: لا بأس به فقال رجل: إنهم يزعمون أنها الموءودة الصغرى. فقال علي: لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع، حتى تكون من سلالة من طين، ثم تكون نطفة ثم تكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظاما، ثم تكون لحما، ثم تكون خلقا أخر، فقال عمر: صدقت. أطال الله بقاءك وبهذا احتج من احتج على جواز الدعاء للرجل بطول البقاء.
وأما من جوزه بإذن حرة، فقال: للمرأة حق في الولد كما للرجل حق فيه. ولهذا كانت أحق بحضانته.
قالوا: ولم يعتبروا إذن السرية فيه. لأنها لا حق لها في القسم. ولهذا لا تطالبه بالفيئة. ولو كان لها حق في الوطء لطولب المولي منها بالفيئة. قالوا: وأما زوجته الرقيقة فله أن يعزل عنها بغير إذنها، صيانة لولده عن الرق. ولكن يعتبر إذن سيدها؛ لأن له حقا في الولد. فاعتبر إذنه في العزل كإذن الحرة ولأن بدل البضع يحصل للسيد كما يحصل للحرة. فكان إذنه في العزل كإذن الحرة. قال أحمد في رواية أبي طالب، في الأمة إذا نكحها: يستأذن أهلها، يعني في العزل لأنهم لا يريدون الولد، والمرأة لها حق، تريد الولد، وملك يمينه لا يستأذنها، وقال في رواية صالح، وابن منصور، وحنبل، وأبي الحرث والفضل بن زياد، والمروذي: يعزل عن الحرة بإذنها، والأمة بغير إذنها يعني أمته، وقال في رواية ابن هانئ: إذا عزل عنها لزمه الولد، قد يكون الولد مع العزل، وقد قال بعض من قال: ما لي ولد إلا من العزل، وقال في رواية المروذي في العزل عن أم الولد: إن شاء. فإن قالت: لا يحل لك، ليس لها ذلك اهـ.
ومهما يكن من الاختلاف في حكم عزل الرجل عن زوجته حرة أو أمة أو عزله عن سريته من الإباحة مطلقا أو المنع مطلقا أو إباحته مع الإذن ومنعه بدونه فليس من باب تحديد النسل، فإنه إن كان بالنسبة للأمة إنما كان خشية أن تحمل منه وهو يكره أن يكون له منها ولد أو خشية أن تصير أم ولد وهو في حاجة إلى خدمتها أو ثمنها كما هو واضح من الأحاديث المتقدمة، وأما بالنسبة - للزوجة فقد يكون للمحافظة على رضيعها، وقد يكون خشية أن تحمل وهي مريضة أو ضعيفة فيضرها الحمل أو يضرها تتابعه، وقد يكون لأسباب أخرى دعتهم إلى ذلك غير أنها ليس منها تحديد النسل، لسلامة فطرهم وقوة توكلهم على الله وثقتهم به ومزيد حبهم للنسل ورغبتهم فيه، فلا يفعلون ما يناقض فطرهم وما تهواه قلوبهم من الذرية ولا يخوضون في شئون المستقبل وما يكون فيه من غبن وفقر ولا يتشاءمون منه ولا يظنون بالله الظنون، وبالجملة ما عهد فيهم من الاعتصام بالدين وحسن الظن بالله ليبعدهم كل البعد عن القصد إلى العزل من أجل تحديد النسل، وعلى هذا لا حجة فيما ذكر من الأحاديث لمن تعلق بها ممن يرون تحديد النسل.