بكر لهم بها؛ لكونهم لم يؤدوها إلى أهلها، ولو أدوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها؛ لأن ذلك مختلف في إجزائه، فلا تجوز المقاتلة من أجله، وإنما يطالب الإمام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقيها، فإذا دفعها إليهم جاز؛ لأنهم أهل رشد، فجاز الدفع إليهم بخلاف اليتيم.
وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه، فلأنه إيصال الحق إلى مستحقه، مع توفير أجر العمالة، وصيانة حقهم عن خطر الخيانة، ومباشرة تفريج كربة مستحقها، وإغنائه بها مع إعطائها للأولى بها من محاويج أقاربه، وذوي رحمه، وصلة رحمه بها، فكان أفضل، كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل. فإن قيل: فالكلام في الإمام العادل إذ الخيانة مأمونة في حقه. قلنا: الإمام لا يتولى ذلك بنفسه، وإنما يفوضه إلى سعاته، ولا تؤمن منهم الخيانة، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شيء منها، وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومواساته. وقولهم: إن أخذ الإمام يبرئه ظاهرا وباطنا. قلنا: يبطل هذا بدفعها إلى غير العادل؛ فإنه يبرئه أيضا، وقد سلموا أنه ليس بأفضل، ثم إن البراءة الظاهرة تكفي. وقولهم: إنه تزول به التهمة. قلنا: متى أظهرها زالت التهمة، سواء أخرجها بنفسه، أو دفعها للإمام، ولا يختلف المذهب إن دفعها إلى الإمام، سواء كان عادلا أو غير عادل، وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفعها، سواء تلفت في يد الإمام أو لم تتلف، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها؛ لما ذكرنا عن الصحابة رضي