وهو قول أصحاب الشافعي. وممن قال يدفعها إلى الإمام: الشعبي، ومحمد بن علي، وأبو رزين، والأوزاعي؛ لأن الإمام أعلم بمصارفها، ودفعها إليه يبرئه ظاهرا وباطنا، ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنا؛ لاحتمال أن يكون غير مستحق لها، ولأنه يخرج من الخلاف، وتزول عنه التهمة. وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير، أو نجدة الحروري. وقد روي عن سهيل ابن أبي صالح قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال، وأريد أن أخرج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى، فما تأمرني؟ قال: ادفعها إليهم. فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك. فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، وأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك. ويروى نحوه عن عائشة رضي الله عنها. وقال مالك وأبو حنيفة وأبو عبيد: لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الإمام؛ لقول الله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}(١) ولأن أبا بكر طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها وقال: " لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها " ووافقه الصحابة على هذا، ولأن ما للإمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولى عليه، كولي اليتيم، وللشافعي قولان كالمذهبين.
ولنا على جواز دفعها بنفسه، أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه؛ فأجزأه، كما لو دفع الدين إلى غريمه، وكزكاة الأموال الباطنة، ولأنه أحد نوعي الزكاة، فأشبه النوع الآخر، والآية تدل على أن للإمام أخذها، ولا خلاف فيه، ومطالبة أبي