للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" قال ابن رشد في كتاب الجامع من البيان: لا خلاف بين أهل العلم في أن الصلاة قد حلت بغروب الشمس، إلا أن صلاة المغرب قد وجبت بغروب الشمس، فلا ينبغي لأحد أن يصلي نافلة قبل صلاة المغرب؛ لأن تعجيل صلاة المغرب في أول وقتها أفضل عند من رأى وقت الاختيار لها يتسع إلى مغيب الشفق، وهو ظاهر قول مالك في موطئه، وقد قيل: إنه ليس لها إلا وقت واحد، فلا يجوز أن تؤخر عنه إلا لعذر. واختلف فيمن كان في المسجد منتظرا للصلاة هل له أن يتنفل فيما بين الأذان والإقامة، فقيل: له ذلك، على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك، وقيل: ليس له ذلك، وهو مذهب مالك على ما رواه ابن القاسم عنه في هذه الرواية، وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر " (١).

وقد احتج أصحاب هذا القول بأدلة أهمها:

الدليل الأول: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين كل أذانين صلاة لمن شاء إلا المغرب (٢)».


(١) مواهب الجليل ١/ ٤١٧، ٤١٨
(٢) رواه البزار في مسنده (كما في كشف الأستار: أبواب صلاة التطوع، باب بين كل أذانين صلاة ١/ ٣٣٤، حديث ٦٩٣)، والطبراني في الأوسط (كما في مجمع الزوائد باب صلاة التطوع ٢/ ٢٥٦، حديث ١٠٣٢)، والدارقطني في سننه في كتاب الصلاة باب الحث على الركوع بين الأذانين في كل صلاة ١/ ٢٦٤، ٢٦٥، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الصلاة باب من جعل قبل صلاة المغرب ركعتين ٢/ ٤٧٤، وابن حزم في المحلى في كتاب الصلاة، فصل في الركعتين قبل صلاة المغرب ٢/ ٢٥٢، ٢٥٣، المسألة (٢٨٣) من طرق عن حيان بن عبيد الله، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره، وإسناده ضعيف، حيان بن عبيد الله- وهو أبو زهير البصري- ضعيف من قبل حفظه، وقيل: إنه اختلط، ينظر الضعفاء الكبير للعقيلي ١/ ٣١٩، ميزان الاعتدال ١/ ٦٢٣، لسان الميزان٢/ ٣٧٠. قال الدارقطني بعد روايته لهذا الحديث: " حيان بن عبيد الله ليس بقوي ". وروى البيهقي بإسناده بعد روايته لهذا الحديث عن الحافظ أبي بكر بن خزيمة أنه قال على إثر هذا الحديث: " حيان بن عبيد الله هذا قد أخطأ في الإسناد، لأن كهمس بن الحسن، وسعيد بن إياس الجريري، وعبد المؤمن العتكي رووا الخبر عن ابن بريدة، عن عبد الله بن مغفل، لا عن أبيه، هذا علمي من الجنس الذي كان الشافعي رحمه الله يقول: (أخذ طريق المجرة) فهذا الشيخ لما رأى أخبار ابن بريدة عن أبيه توهم أن هذا الخبر هو أيضا عن أبيه، ولعله لما رأى العامة لا تصلي قبل المغرب توهم أنه لا يصلى قبل المغرب، فزاد هذه الكلمة في الخبر، وزاد علما بأن هذه الرواية خطأ أن ابن المبارك قال في حديثه عن كهمس: فكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين، فلو كان ابن بريدة قد سمع من أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاستثناء الذي زاد حيان بن عبيد الله في الخبر: (ما خلا صلاة المغرب) لم يكن يخالف خبر النبي صلى الله عليه وسلم " اهـ. وقال البيهقي في المعرفة في باب صلاة التطوع: النوافل المرتبة على الصلوات الخمس ٤/ ٩ بعد روايته لهذا الحديث عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل بدون هذه الزيادة، قال: " ورواه حيان بن عبيد الله، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فيه: (ما خلا المغرب) وهذا فيه خطأ في الإسناد والمتن جميعا، وكيف يكون ذلك صحيحا، وفي رواية عبد الله بن المبارك عن كهمس في هذا الحديث، قال: فكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين ". وقد جزم بضعف هذه الرواية الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير باب صلاة التطوع ٢/ ١٣، حديث (٥٠٦)، والشيخ محمد ناصر الدين في ضعيف الجامع الصغير ٣/ ١٦، وينظر الفتح ٢/ ١٠٨.