للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسبب اختلافهم في مناط الحكم وعلته، فالأعيان الستة ليست محل اختلاف، بل الاختلاف في تعديتها بالعلة.

إن الشريعة عندما تحرم أمرا فإنها تضيق المسالك والطرق المؤدية إليه لتقتلع جذوره، ففي الخمر لم يحرم الإسلام شرب القدر المسكر فقط، بل حرم شرب القليل والكثير " ما أسكر كثيره فقليله حرام "؛ وما ذلك إلا لأن المرء إذا اعتاد القليل خلص إلى الكثير، ولهذا حرم الإسلام قليل الخمر وكثيره، بل حرم تصنيعها وترويجها والمساعدة فيها، ومثل هذا في الربا، حيث حرم ربا الفضل كي لا يتوصل به لربا النسيئة- الربا الكامل الجلي- تضييقا لمسالك الربا، وقطعا لدابره في المجتمع، فتحريم ربا الفضل إنما هو سد للذرائع، فنهى عن بيع الجنس بجنسه متفاضلا، ونهى عن بيع الجنس بغير جنسه إلا بشرط الحلول والتقابض في المجلس.

قال ابن القيم: " فمنعهم من ربا الفضل؛ لما يخاف عليهم من ربا النسيئة، وذلك أنهم إذا باعوا درهما بدرهمين ولا يكون هذا إلا للتفاوت في الجودة والسكة والثقل والخفة تدرجوا بالربح المعجل إلى الربح المؤخر، وهو ربا النسيئة، وهي ذريعة قريبة، فمن الحكمة منعهم من ذلك لسد باب المفسدة " (١).

وكما حرم ربا الفضل حرم العمل عند المرابي وإعانته على الربا، فالآخذ والمعطي سواء، وكذلك كاتبه وشاهداه كلهم في


(١) إعلام الموقعين (٢/ ١٣٠).