للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصرف القلوب أمر محسوس جلي لا شك فيه، وقد دل على ذلك الحديث المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء (١)» ثم يقول أبو هريرة: " اقرءوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (٢) فقد أخبر أن الطفل يولد على الفطرة، وهي الحنيفية السمحة، فلو ترك وفطرته لعرف أن له ربا خالقا مالكا متصرفا، وعرف أن الذي خلقه ورزقه وسخر له الأبوين، وكمل خلقه، أن له عليه حقوقا وعبادات، كما على العبد لمالكه. ثم أخبر أنه ينصرف وينحرف عن تلك الفطرة بما ألفى عليه أبويه، حيث نشأ معهما وتلقى عنهما ما يدينان به من يهودية أو نصرانية أو مجوسية، أو وثنية أو بوذية أو هندوسية، أو غيرها من الملل الكفرية، وهكذا إن كان أبواه يعتقدان عقيدة منحرفة، كبدعة الرافضة والفلاسفة، والدروز والباطنية، والبعثية والنصيرية، والمعطلة والمشبهة، والبهائية والقاديانية، ونحوها، فإن الأبوين يلقنان أولادهما ما يدينان به؛ فيتربى الطفل على تلك العقائد الضالة جازما بصحتها، عازفا عما سواها، لا يحدث نفسه بالنظر في غيرها، فيعزب عن باله ما تتكون منه، وما تحويه من الكفر والضلال، والانحراف عن الهدي المستقيم، ولا يتصور ما يرد عليها من الأدلة النيرة التي توضح فسادها، وقد قال تعالى في اليهود: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} (٣)


(١) الحديث رواه البخاري برقم ١٣٨٥ وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، والآية رقم ٣٠ من سورة الروم.
(٢) سورة الروم الآية ٣٠
(٣) سورة البقرة الآية ١٤٥