وذلك أن بقاء المسلم بين ظهراني قوم كفار يكون سببا في تعذيبه وأذاه، وإلحاق الضرر به، أو سببا في افتتانه ورجوعه عن دينه، وإذا كان هذا يتصور في الرجل الكبير العاقل، فكيف بالطفل الصغير الذي لا يميز بين الأديان، فيجب إبعاد أولاد المسلمين عن ولاية الكفار والمشركين وأهل البدع والمعاصي؛ وذلك لأن كل فرد غالبا يتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه، ويألف العادات والأعمال والأخلاق المنتشرة الشائعة في الوطن الذي يعيش فيه، وبين المواطنين الذين ينشأ بين ظهرانيهم، وتظهر وتنطبع آثارها في ديانته ومعتقده ومعاملاته.
فإن عاش الطفل وتربى في بلاد تحكم بالشرع الشريف، وتطبقه في العادات والقربات، فتؤدي الواجبات الدينية، وتتجنب المحرمات، وتتنزه عن الجرائم ومساوئ الأخلاق، فإن هذه الأعمال -ولا بد- سوف تتحكم في ميوله، ويهواها بقلبه، ويألفها وينصبغ قلبه بمحبتها، ويبغض أضدادها وينفر منها، ويكره أهلها ويمقتهم.
أما إن تربى في مجتمع يظهر الفساد، ويعتدي على العباد، ويبطش بغير حق، ويخالف مقتضى العقل والنقل، ويستحسن خلاف الشرع، وينتهك الحرمات، ويخل بالواجبات، ويدين بالبدع، ويستحسنها ويعمل بموجبها، فإن ذلك الناشئ عادة يكون منهم، ويعمل كعملهم، ويعتقد ما يعتقدونه من كفر أو إلحاد أو نفاق، أو بدع مضللة أو مفسقة، ويجزم بأن ذلك هو عين الصواب، وأن ما عداه خطأ وضلال. فتأثير البيئة والمجتمعات في تغيير الفطر