تنازع أبوان صبيا عند الحاكم، فخير الولد بينهما فاختار أباه، فقالت أمه: سله لأي شيء يختاره. فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه يضرباني، وأبي يتركني ألعب مع الصبيان؛ فقضى به للأم. ورجح هذا ابن تيمية. فإذا كانت روح الشرع تقضي بمراعاة صالح الصغير، فإن مما لا شك فيه أن إلقاءه في أحضان الكفر قضاء على صلاحه دنيا وأخرى، ومن ثم يتعين خطأ أبي سعيد الإصطخري، وأبي حنيفة وأصحابه، وابن القاسم وأبي ثور. وقال العمراني: إن الحضانة لحظ الولد، ولا حظ له في حضانة الكافر؛ لأنه لا يؤمن أن يفتن عن دينه. ثم قال: أما الحديث فغير معروف عند أهل النقل (١) وإن صح فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه يختار أباه، فلهذا خيره، فيكون ذلك خاصا لذلك الولد دون غيره " اهـ.
ومن هذه النقول يتضح أن الجمهور على منع ولاية الكافر، وحضانته للطفل المسلم، وأن من أجاز ذلك كأصحاب الرأي وهم الحنفية ومن وافقهم فقد خصوه بأحد الأبوين، تمسكا بحديث عبد الحميد المذكور، وقد عرفت ضعف الحديث وما فيه من الاختلاف، ومع ذلك فلا مانع من حضانة الأم الكافرة في الصغر؛ لمكان الشفقة والرحمة، فإن زمن الرضاعة وبعده بسنة أو سنتين لا تأثير معه لدينها وأعمالها الكفرية، لكن متى بلغ الطفل سنا يميز به، ويعرف ما يتدين به، ويتأثر بالتلقين، ويخاف أن يألف أعمال الكفار ويميل إليها، وجب نزعه من أحضان أقاربه غير المسلمين، وتسليمه إلى من يسعى في إصلاحه، ويربيه التربية الإسلامية، وهذا واجب على المسلمين