للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويختلف ربا الفضل عن ربا الدين في الماهية ونطاق التطبيق والأثر الشرعي في العقد جميعا.

فحقيقة ربا الفضل، كما يدل صريح الأحاديث، هي أنه حظر الزيادة في مقدار أحد البدلين في بعض البيوع الخاصة، ونجد له الخصائص الآتية: أ- لا يكون إلا في بيع الذهب بالذهب أو التمر بالتمر وغيرهما من الأصناف التي يشتملها النص، مما يقتصر على صور خاصة من عقدي الصرف والمقايضة، ولا يسري على سائر صورهما التي يختلف جنس البدلين فيها، كصرف الذهب بالفضة، أو مقايضة التمر بالشعير، ولا يكون ربا الفضل مطلقا في عقد البيع بمعناه الدقيق، حيث تشتري السلعة بالنقود، وهو الذي تجري به أكثر المعاوضات التي يطلق عليها في الفقه الإسلامي اسم البيوع، وإليه ينسب ربا الفضل.

ب- لا يكون ربا الفضل إلا في البيوع الحاضرة، فهو لا ينفك، في نص الحديث عن ربا النسيئة، فحيث يحظر التفاضل بين البدلين يحرم تأجيل شيء منهما، وتجد بعض العلماء لذلك يسمون ربا الفضل بربا النقد، يقابلونه بربا الدين الذي لا يقع إلا في التأجيل والنسيئة.

ج- التفاضل المحظور هو زيادة في مقدار أحد البدلين في تلك البيوع الخاصة، وليس زيادة في قيمة أي من البدلين؛ ويبين ذلك من حديث التمر الذي جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم من ربا الفضل مقايضة كيل من تمر جيد من الجنيب بكيلين من الجمع وهو تمر رديء، وإن كان سعر الجنيب في الأسواق يساوي مثلي سعر التمر مما لا يذر زيادة في قيمة أي من البدلين، كالتي يقوم بها الربا في الدين، وحيث يوجد فرق يعتد به بين قيمة البدلين، فان السبيل لتلافي الغبن في مبادلتهما، يكون، كما أشارت به السنة في حديث التمر الذي تقدم، بالعدول عن مقايضتهما مقايضة مباشرة تخضع لربا الفضل، إلى بيع كل من البدلين بالنقود، ويشتري كل من البائعين ما يحتاجه من الصنف الذي يريد.

وإذ فرض الشرع إهدار التفاوت في قيم البدلين المتماثلين جنسا، إذا تمت مبادلتهما عن طريق الصرف أو المقايضة، فإن هذا الطريق يوصد في البيوع التي لا يجوز فيها الغبن رعاية لحقوق العباد، التي لا يستوي فيها جيد المال ورديئه، فلا يجوز للوصي أن يبيع قفيز حنطة جيدة من مال اليتيم بقفيز رديء، ويتعين على الوصي البيع بالنقد أو بشيء خلاف جنس الحنطة مراعاة لحق اليتيم وحق الشرع. وفي قول الله تعالى في حفظ أموال اليتامى: {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} (١) نهي للأوصياء عن مثل تلك المقايضة التي يحيق الغبن فيها باليتيم.

ويكون ربا الفضل بعيدا عن تحقيق التعادل بين المالين المتبادلين بما يمنع الغبن في العقد، خلافا لما قال به بعض الفقهاء واعتنقه المستشرقون وفريق من رجال القانون.

كما لم يشرع هذا الربا ليسد ذريعة إلى ربا (٢)


(١) سورة النساء الآية ٢
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن قيم الجوزية ج١ ص٢٠٠ - ٢٠٤، وزكي بدوي، ص١٣٠ - ١٣٤.