للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البدلين، يحرم أن يكون أحدهما غائبا عن مجلس العقد، وكذلك في مقايضة التمر بالتمر، لا يصح العقد، إذا اشترط تأجيل أحد البدلين، أو لم يتم أداؤه في مجلس التعاقد.

ويتسع ربا النسيئة عن ربا الفضل، فيطبق على صرف الذهب بالفضة، وعلى مقايضة القمح بالتمر، ويجب تسليم البدلين عند التعاقد، ما داما من مجموعة واحدة من مجموعتي الأصناف الربوية، وهما النقدان والمطعومات، فلا ينطبق ربا النسيئة على بيع قمح آجل بفضة معجلة، بينما يحظر بيع مصوغات الذهب نسيئة ولو بثمن من فضة.

ت- ربا النسيئة، فيما حظر من تأجيل أنواع من الصرف والمقايضة، هو استثناء مما أباحته الشريعة الغراء من التجارة المؤجلة والقروض، وبينت أحكام توثيقها بالكتابة والشهادة أطول آية في القرآن، في سورة البقرة، (رقم ٢٨٢)، التي استهلت بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} (١) وفرضت الآية ٢٨٣ من بعدها أداء الدين المؤجل، وإن لم يوثق بكتابة ولا برهن، وألزمت التقوى في شأنه، بقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} (٢) وقد فرق الإسلام بين القرض، حيث يتأجل الدين رفقا بالمدين وتصدقا بمنفعته عليه، والبيع المؤجل، حيث يستثمر التاجر ماله في النسيئة أو السلم، ويصيب من يحتاج السلعة في بيع النسيئة، أو رأس المال في السلم، حاجته العاجلة، بعوض يؤديه مؤجلا.

وانماز القرض ونحوه من الإرفاق بتحريم الربا، ولم يحظر الإسلام الزيادة في الثمن المؤجل للمبيع نسيئة كما لم يحرم النقص في الثمن إذ يعجل للمبيع سلما. وقد بين القرآن الكريم اعتراض الذين يأكلون الربا على ما شرع الإسلام من إباحة بيع النسيئة وتحريم الربا، في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٣) وثم وجه لتأويل الآية بأن هذا القول صادر من المشركين الذين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع كما جاء به القرآن (٤).

وكأنهم قالوا: إن البيع والربا متماثلان عقلا، ولا توجد علة ظاهرة للتفرقة بين ربح التأجيل في كل منهما، ليحل البيع ويبقى الربا محرما مما يقتضي عندهم أن يحل الربا كما أحل ربح النسيئة.

وهذا القول أشبه بما قد يحتج به اليهود حين يخاطبون بحكم القرآن وقد أحل بعض ما حرم عليهم من المرابحة ولم يحل الربا في الدين، وإن كان جمهور المفسرين على أن القائلين بالشبهة يعتقدون حل بيع النسيئة ويقيسون عليه ربا الدين، ويقولون: كما أنه يجوز أن يبيع الثوب الذي يساوي عشرة دراهم في الحال، بأحد عشر إلى شهر، فكذلك إذا أقرض العشرة دراهم بأحد عشر إلى شهر، يجب أن يجوز (٥).

وما دامت الزيادة في الأثمان المؤجلة الأصل فيها الإباحة، فلا يكون القصد من تحريم التأجيل في الصرف والمقايضة هو سد الذريعة إلى ربا الدين، الذي يحظر الاعتياض عن التأجيل (٦).


(١) سورة البقرة الآية ٢٨٢
(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٣
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٤) تفسير ابن كثير، ج١ ص٣٢٧
(٥) مفاتيح الغيب، للفخر الرازي ج٢ ص٣٥٤ وسائر المفسرين في زكي بدوي ص٦١ هـ١
(٦) قارن إعلام الموقعين، لابن القيم، ج١ ص٢٠٠ - ٢٠٤ وزكي بدوي، ص ١٣٠ - ١٣٤