للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخاصية الأولى

[الربا في الدين وحده ولا ينطبق على البيع]

أحل الله تعالى البيع بزيادة في الثمن إذ يؤجل، أو ينقص فيه إذ يعجل ويؤجل المبيع، وذلك عوضا عن الأجل في بيع النسيئة، والسلم وعقد الاستصناع، وحرم الربا في القرض، إذ يؤجل تبرعا واختيارا، وفي تأجيل سائر الديون التي يثبت إعسار المدين بها حين وجب عليه أداؤها، فينظره القاضي إلى أن يوسر، توثيقا لعرى التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء من الناس.

وكما عني الإسلام بتنظيم التجارة الحاضرة فيما رأينا من أنواع الربا في البيوع، كانت عنايته أكبر بالائتمان في التجارة الآجلة وسائر الديون غير التجارية. وجمهور المفسرين على أن الدين المؤجل الذي فصلت آيات البقرة أحكام توثيقه، يشمل السلم وبيع النسيئة والقرض جميعا، وردوا قول من ذهب إلى أن القرض لا يدخل في ذلك الدين، لأن القرض لا يجوز فيه الأجل الذي يؤجل إليه الدين، وكانت حجتهم أن القرض يصح تأجيله باتفاق الفقهاء، وإنما اختلافهم في لزوم هذا التأجيل، فقال الإمام مالك بلزوم الأجل المتفق عليه في القرض، ورأى سائر الأئمة أن المقرض متبرع لا يجوز أن يجبر على الامتناع عن المطالبة بالقرض قبل الأجل (١).

وقد كانت مصادر ربا الجاهلية، إما قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة بدلا من الأجل، وإما بيعا بالنسيئة حل ميعاد أداء ثمنه وليس عند المشتري ما يفي به، فيزيد مقداره ليؤخر البائع المطالبة به، أو سلما لا يجد المسلم إليه الشيء الذي باعه عند حلول أجله، فيؤخره المسلم إلى أجل جديد بزيادة على الشيء المبيع، وقد حظرت الزيادة على الدين في كل تلك الصور من الائتمان غير التجاري، وفرق الإسلام بين هذا الائتمان القائم على الإرفاق والائتمان التجاري في البيوع الذي أبيحت المعاوضة على الأجل فيه، التزاما لحال المال الذي يخرجه التاجر إلى الائتمان من بين ما يدير به تجارته الحاضرة ويقف ما كان يفيء له من كسب دوري إبان تأجيله.

وكذلك حال الذي ائتمن من الاتجار فيما دفع إليه وما يفيد من كسب يقدر أن يؤدي الزيادة في الثمن المؤجل منه. وبجانب هذا الائتمان في السلع التي تقوم التجارة على تداولها، ويتحدد بكل بيع يرد عليها مخاطر عقده مستقلا عما سبقه وعما يلحقه من البيوع، أقر الإسلام الائتمان الرأسمالي بعقد المضاربة أو القراض، فيأخذ التجار المضاربون رءوس الأموال من أصحابها يديرون بها التجارة، وتقسم أرباحها بين التاجر عن عمله، والممول عن رأس ماله، فإن لم تصب التجارة ربحا، أو منيت بخسر، ضاع جهد التاجر، وفات رأس المال الربح أو نقص ما خسره، تبعا لحقيقة ما أسفر


(١) زكي الدين بدوي، ص ٣٧ هـ ١، ومعجم الفقه الحنبلي، ج٢ ص ٧٧١ رقم ١٤.