ومن قال: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك عن أصحاب مالك وأحمد فقد غلط على مذهبهما. ومن قاله مطلقا من أي مذهب كان فقد قال قولا بلا دليل. ولم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء قط يقتضي أنه حرم جميع العقوبات المالية؛ بل أخذ الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة بذلك بعد موته دليل على أن ذلك محكم غير منسوخ.
وعامة هذه الصور منصوصة عن أحمد ومالك وأصحابه. وبعضها قول عند الشافعي باعتبار ما بلغه من الحديث.
ومذهب مالك وأحمد وغيرهما: أن العقوبات المالية كالبدنية، تنقسم إلى ما يوافق الشرع وإلى ما يخالفه، وليست العقوبة المالية منسوخة عندهما. والمدعون للنسخ ليس معهم حجة بالنسخ، لا من كتاب ولا سنة. وهذا شأن كثير ممن يخالف النصوص الصحيحة والسنة الثابتة بلا حجة، إلا مجرد دعوى النسخ، وإذا طولب بالناسخ لم يكن معه حجة لبعض النصوص (١) توهمه ترك العمل إلا أن مذهب طائفته ترك العمل بها إجماع، والإجماع دليل على النسخ. ولا ريب أنه إذا ثبت الإجماع كان ذلك دليلا على أنه منسوخ، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن لا يعرف إجماع على ترك نص إلا وقد عرف النص الناسخ له، ولهذا كان أكثر من يدعي نسخ النصوص بما يدعيه من الإجماع إذا حقق الأمر عليه لم يكن الإجماع الذي