من أهليهم وفي خزانة الدولة نفقاتهم التي تسد حاجات معيشتهم وعزز موارد الائتمان غير التجاري من الزكاة والصدقات، بما ييسر نفاذ تحريم الربا فيه. فإن من شأن من يحيط علما بكل أولئك أن يشهد بنتائج شتى من أهمها: أولا: أن ما تضمنته الشريعة الإسلامية من نسخ بعض ما يعلمه اليهود وتفصيل ما لم ينسخ وإكماله بوجه لا يسعه فقههم- يدحض كل تشكيك في وحي الإسلام، ويفند كل زعم بأخذه شيئا من اليهود، ويقطع بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر ما أتى به من الأحكام على ما اقتضت حكمة الله تعالى نسخه من فروع شريعة اليهود.
ثانيا: وجوب دراسة الأحكام الإسلامية الاقتصادية في مصادرها الأولى بالقرآن والسنة دراسة مستقلة متعمقة تحصى فيها أحكام الإسلام على حقيقتها المتميزة، ثم يأتي من بعد الإحاطة بها دور البحث المقارن بينها وبين سائر الشرائع، فيفقه الدارسون الفروق بين أحكامها وما في غيرها، ولا يقعون في خلط يجره التجوز في إطلاق مصطلحات لا يعرفها فقه الشريعة ولا تصدق على مسمياتها، ولا يبلغ بها الباحث الغاية من تفهم دقائق أحكامها.
ثالثا: المبادرة في إلغاء القوانين الوضعية التي تنظم ربا الدين في البلاد الإسلامية وتبيح غير الفاحش منه وتعاقب الدائن وحده على أخذ الربا الفاحش وبعقوبات (جد يسيرة)، متأثرة في ذلك كله بأحكام اليهود التي بينا ما اعتراها من نسخ وما يشوبها إزاء التطور من قصور. ويجب أن تصدر التشريعات التي تأخذ بصحيح أحكام الإسلام، فيبطل القانون المدني كل شرط ربوي في القروض وتأجيلات الديون، وإن قل مقدار الفائدة أو العائد أو نحوها مما يتضمنه هذا الشرط، وأيا كانت حال الدائن أو المدين القانونية، يستوي الفرد ولو كان يتيما والشخص الاعتباري، مصرفا كان أو شركة أو مؤسسة أو هيئة أو حكومة، ويفرض التشريع الجنائي من العقوبات الرادعة عن الربا ما يجزي به الدائن والمدين وكل من شارك في جريمتها أو أعان على ارتكابها، وفقا لما تقتضيه حال البلاد من تقنين لأنواع التعزير ومقدارها، يتفق واعتبارات السياسة التشريعية الجزائية.
رابعا: بحث متطلبات قيام أسواق المال الإسلامية وتنظيم تداول الأسهم والحصص في شركات المضاربة، وتفصيل أحكام بيوع النسيئة والسلم، ولا تستضاع للعودة إلى الأخذ بنظم الائتمان الإسلامية واستكمال الإطار العام لتطبيقها في مجالات التجارة والإرفاق الاجتماعي، ومتابعة هذا التطبيق ومواءمته مع معطيات العلوم الاقتصادية الحديثة وتوفير مقومات السوق الحرة وموارد التمويل الاجتماعي حتى لا يكون ثم محتاج إلى الاقتراض بالربا، ولا يكون غلو في أسعار البيوع الآجلة يثقل المحتاجين إليها.