للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - الإيمان

إن قضية الإيمان هي الأساس والمنطلق. وهي القاعدة التي ينبني عليها غيرها من القضايا الاجتماعية والأخلاقية والتربوية، ومتى تمكن مجتمع من المجتمعات من إرسائها صلبة قوية، استطاع أن يرد بها موجات التحلل والانهيار التي تنتاب الكثير من المجتمعات البشرية، إن في ماضيها العتيق، وإن في حاضرها الراهن الذي يمثل في أذهان الجماهير العديدة التي شاهدت هذا التفكك قمة ما وصلت إليه البشرية، مجردة من الإيمان، من عدوان الإنسان على الإنسان بطريقة اتصفت بالتنكيل والإبادة والهمجية حتى أصبح وصفها بأنها وحشية سخرية بالدوافع الفطرية الطبيعية التي تدفع الوحش للدفاع عن نفسه.

٣ - الحوار كظاهرة عامة

السادة الأفاضل إن موجة الحوار أيا كانت طبيعته بدأت تنتشر في كل المجالات من دينية واجتماعية وسياسية على جميع المستويات، الفردي منها والقومي والدولي. ولا شك أنها بادرة طيبة، لأنها تقوم على الإدراك الواعي المستنير بأن الانغلاق والتقوقع في أي مظهر من مظاهره لا يخدم قضية التعايش السلمي، ولا يخدم الرفاهية والإخاء الإنساني، وهما الأسس الضرورية لبقاء النوع الإنساني بقاء قائما على المودة والإخاء والتعارف الذي نادت به رسالات السماء، ونادى به الإسلام منذ اللحظة الأولى التي أشرقت فيها شمس النبوة الإسلامية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (١) آية ١٣ سورة الحجرات. . وهكذا يضع الإسلام المعيار الإنساني العام القائم على أخوة الخلق ووحدة الرب دون تفرقة بين دين أو جنس، فإن النداء في هذه الآية الكريمة نداء للإنسانية جمعاء. . . وصدق رسول الإسلام - صلوات الله وسلامه عليه- إذ يقول «لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى، كلكم لآدم وآدم من تراب (٢)».

٤ - دور الفكر الديني

ورجال الدين والفكر الديني، والقيم المستمدة من وحي السماء هي الدعامة الحقيقية لكل حوار إنساني؛ ذلك لأن الدين يستمد مصدره من السماء فهو منزه عن الغرض والشهوة والقومية، وتقف الإنسانية بالنسبة إليه موقف المساواة التامة دون تحيز أو تمييز. ولأن رجال الدين متى قاموا برسالتهم حق القيام فإن خلق الرحمة والمحبة والعدل والإخاء وهي قواعد أصيلة في كل دين حق تستلزم استلزاما ضروريا أن يكون الدعاة إليها أول من يتحلى بها؛ حتى يضربوا بمثلهم الكريمة النماذج الحية لمن يتبعونهم في إظهار هذه الصفات الطيبة فيما بينهم أولا، وبالذات مما يؤكد عراقة هذه الأخلاق في النفس فتفيض على من حولها ممن لا يتمذهب ولا يدين بنفس الدين ولكنه أخ من أخوة الإنسانية بمفهومها الواسع الذي لا يقف عند الحواجز الدينية. والدين فكرا ودعاة أحق الناس بها لأنهم اتهموا على


(١) سورة الحجرات الآية ١٣
(٢) مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٤١١).